مخوليّات

اليومَ، وأنا أتأمّل لوحات الفنان التشكيليّ موفق مخول في غاليري «زوايا» بدمشق؛ يعود بي الزمن إلى ما يُقارب العقدين من السنين، كنت حينها أتجوّل في منطقة القصاع، عندما لفتت نظري ورشة من الشباب الفنانين التشكيليين يشتغلون على التوالف من الأغراض: قطع سيراميك، بلور، معادن، وغيرها، وبتوجيهات من فنان تلمعُ صلعته غير مُبالٍ بشمسٍ حارقة.. ثم يعالجونها، ويلصقونها على جدار إحدى المدارس في المنطقة.. حينها تقدمت منه وسألته عن عمله؛ ليُجيبني إنه: «إيقاع الحياة».. حالة بقيت أشبه بالهاجس لدى موفق مخول، عندما وضع نصب عينيه تجميل كل جدران الشام التي كانت موحشة وكالحة حتى وقتٍ قصير، ولم يطل الأمر ليدخل مع فريقه موسوعة «غينس» في شغل أطول لوحة جدارية قائمة على التوالف من الأغراض في العالم على إحدى جدران مدرسة في منطقة المزة.
وموفق مخول يُوزّع شواغله الإبداعية في اتجاهاتٍ ثلاثة: الشغل على اللوحة، وهو أقدم هذه الشواغل التي عبّر من خلالها بأساليب مُختلفة، حتى استقرّ – على ما يبدو – اليوم على صياغة لونية، وتكاوين لها غاياتها التي اكتسبت ملامحها الفارقة.
أما الشغل الثاني؛ والذي كان الأشهر في تجربته الفنية، وإن كنتُ لا أراه الأهم، وإنما يأتي تنويعاً في التجربة، وهو اللوحة الجدارية على (حيطان) دمشق، والتي جاءت من خلال إعادة تدوير النفايات التي استهلكت، ومنحها مهمات جمالية وتزيينية لجدران الشام..
وأما الشغل الثالث الذي يأتي (نزقاً) ساخراً مُتهكماً يائساً مُحبطاً؛ فكان في الكلمة، ولكن ليست أي كلمة؛ إنها الكلمة (المخولية)، الكلمة الواخزة كدبوس التي لا تُشبه سوى صاحبها، وله في هذا المنحى،غير نشاطه الفيسبوكي اللافت، كتاب صدر بعنوان (مخوليّات).
وموفق مخول في مختلف تلك الاتجاهات والشواغل؛ استطاع أن يؤسس لحالة ثقافية مُغايرة في المشهد الثقافي السوري؛ أستطيع بثقة أن أسمّيها (الحالة المخوليّة) في الثقافة السورية، فإلى اليوم لا أحد في سورية استطاعَ أن يوصل (فنون الشارع) إلى العالمية، كما أوصلها موفق مخول.. اللوحة التي أطلق عليها اسماً لافتاً (انفجارات لونية) على جدار مدرسة على أتوستراد المزة.
والأهمّ في شغل الفنان مخول أنه ربط فنه بالناس، سواء قدّمَ ذلك لوحةً تشيكلية، أم جدارية، أم نصاً سردياً بين دفتي كتاب، أو على جدارٍ افتراضي.. مؤكداً في كل ما سبق على الحب كملاذ أخير لكلِّ هؤلاء البائسين في العالم.
هامش مخوليّ
……………..
(1)
إذا كنت تمشي طول الوقت
حافي القدمين؛
فستتحوّل كل أحلامك إلى حذاء..
(2)
ذهبت امرأة إلى عند الطبيب تشكو له وفاة أبنائها عقب الولادة، حينها صفن الطبيب طويلاً وسألها: هل جدّ الأولاد ميّت؟! تجيبه: نعم.. ثم وكأنه وجدها: إذاً هي حالة وراثية في العائلة يا سيدتي!!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار