قرطبة وغرناطة في شعر عبد الوهاب البياتي
تشرين- د.رحيم هادي الشمخي:
في عام 1926 ولد عبد الوهاب البياتي في أكثر أحياء بغداد -التي كانت ككل المدن الشرقية تقريباً تكتظ بالسكان- شعبيةً، وهو اسم لا يصل إلى شهرته وأهميته في حقل الشعر العربي المعاصر إلا القليلون، إنه شاعر لا جدال في سمو شاعريته، وربما كان سبباً في الحوار والمناقشات المستفيضة التي تدور حوله، ففي غير موعده جاء عبد الوهاب البياتي فارضاً نفسه واحداً من أكبر الرواد البارزين المتحدثين باسم المدرسة الجديدة في الشعر العربي، وهو جيل أجاد نظم أنواع من الشعر (الحر)، كما أنه نجح أيضاً في توجيه الشعر العربي بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة عبر مسالك تجديدية متنوعة، إنه شعر (جيل الخمسينيات) الحماسي، واستطاع هذا الشاعر أن يلمّ بكل مناحي الشعر الحر، وهنا اختار البياتي مدناً عربية بعينها هي الآن تحت سيطرة الإسبان (قرطبة وغرناطة) التي يوليها الشاعر عناية كافية.
في مجموعته الشعرية (الموت في الحياة) تظهر إشارة لقرطبة التي أعرفها عند البياتي، ولو أن ذكراً كهذا حتى الآن وببساطة سيكمل –كما يبدو لي- دوراً تعريفياً تظهر هذه الأشياء في قصيدة (عن الموت والثورة) المهداة إلى الثائر العالمي جيفارا، ففي الإشارة إلى قرطبة يكاد (لوركا) يكون مشمولاً بصورة مؤكدة:
كان مغني قرطبة
تبكيه جنيات بحر الروم
ملطخاً بالدم فوق العربة
وقاطفات زهر اللؤلؤ والكروم..
وغرناطة هي المدينة العربية الإسبانية التي تبدأ بالظهور في هذه المرحلة كأقوى مركز يجتذب شعر عبد الوهاب البياتي ويشحنه بمضمون رمزي مهم قريب من القلب، وإن الإشارة إلى (لوركا وغرناطة) هما بالفعل لا ينفصلان، ففي قصيدة (الموت في الغرناطة) يقول:
عاشقة تشق بطن الموت
ترفع في الموت يديها
تفتح التابوت
تزيح عن جبينها النقاب
تجتاز ألف باب
تنهض بعد الموت
عائدة للبيت
لوركا لا يموت
أعمدت الفاشست على الفرات
وبهذا أعطى الشاعر عبد الوهاب البياتي لقرطبة وغرناطة صوراً جميلة مضافة إلى سجله الشعري الحافل بالقصائد داخل العراق وخارجه.