التكامل الزراعي طوق النجاة لتحقيق الأمن الغذائي العربي.. قمة الجزائر وضعت البعد التنسيقي للتكامل الزراعي فهل تشهد قمة السعودية التنفيذ الحقيقي؟

تشرين – أيمن فلحوط:
يشكل التكامل الزراعي والتبادل التجاري للسلع الزراعية بين الدول العربية بما يضمن انسيابيتها بتكلفة أقل، طوق النجاة من أزمة الأمن الغذائي، التي باتت تهدد العالم أجمع، وتشكل خطراً كبيراً على المنطقة العربية، وخاصة بعد موجة الجفاف التي عصفت بالمنطقة، وكذلك مع التغيرات المناخية الكبيرة التي شهدتها في السنوات الأخيرة.
وكانت جامعة الدول العربية قد أكدت في دورتها 31 المنعقدة في الجزائر إعداد استراتيجية للأمن الغذائي، في ظل الظروف والتحديات المناخية الشديدة التي تعصف بمنطقتنا العربية، والفقر المائي الشديد، حيث إن مساحة الوطن العربي تزيد على عشرة في المئة من مساحة العالم، لكنه لا يستفيد من المياه أكثر من ثلاثة في المئة حسب المدير العام لمنظمة المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة “أكساد” الدكتور نصر الدين عبيد.
تناولت قمة الجزائر في العام المنصرم “التوسع في الإنتاج الزراعي, زيادة الإنتاجية في المحاصيل والنظم الزراعية القائمة, زيادة التبادل التجاري, واتخاذ الإجراءات المطلوبة للحدّ من هدر و ضياع الغذاء”، وكانت الدول العربية تعتمد قبل القمة العربية 31 في الجزائر, حزمة من الإجراءات على مستوى الاستراتيجيات وعلى مستوى خططها العامة و”لكن قمة الجزائر أضافت البعد التنسيقي بين الدول المختلفة”.
بُعدٌ تنفيذي
يأمل العرب أن يضاف للبعد التنسيقي في القمة السابقة بالجزائر، بُعدٌ تنفيذي للتكامل الزراعي، والذي تبلورت إحدى صوره في اللقاء الرباعي الذي احتضنته دمشق، وجمع وزراء الزراعة العرب في كل من سورية والعراق ولبنان والأردن، وأن تشهد القمة 32 في السعودية الآلية الحقيقية لتحقيق ذلك على صعيد الأمن الغذائي في الوطن العربي.

بوابة العبور لتكامل كلي
من هذا المنطلق جاءت مذكرة التفاهم للتعاون الزراعي التي وقعها وزراء الزراعة العرب في كل من سورية والأردن والعراق ولبنان في نهاية شهر آذار المنصرم في دمشق، لتعزيزه وتطويره بشقيه النباتي والحيواني، وتبادل المعلومات، والتجارب الزراعية الناجحة.
والتي يعول عليها أن تكون بوابة التكامل الزراعي بين الأشقاء العرب في المستقبل القريب، بعد قمة الوفاق في السعودية.
وتضمنت المذكرة التعاون في مجال إدارة المحميات والحدائق ومكافحة الحرائق وتغير المناخ، والتنمية الريفية والإرشاد الزراعي والإنتاج والصحة الحيوانية والأدوية البيطرية وتبادل الخبرات والتدريب والمعلومات، بما ينسجم مع القوانين والأنظمة النافذة في هذه الدول، وعلى أساس المساواة وتحقيق المنفعة المشتركة لكل الأطراف، وكذلك التعاون في الأبحاث الزراعية العلمية والإنتاج النباتي والحيواني والثروة الحيوانية وتبادل المعلومات في مجال الصيد البحري وتربية الأسماك، والحجر البيطري، وتبادل الشهادات الصحية البيطرية للحيوانات الحية والمنتجات الحيوانية، والإجراءات المتبعة في مراكز الحجر البيطري الحدودي عند الدخول أو العبور بطريق الترانزيت، ودراسة إمكانية توحيد هذه الشهادات في الدول الأطراف.
وشددت المذكرة على أهمية تعاون الدول الأربع في مجال تبادل السلع والمنتجات الزراعية، ووضع خطة للتنسيق والتعاون في المجال العلمي والتقني والتبادل التجاري بين الأطراف، وتسهيل انسياب السلع الزراعية بين الدول الأطراف مع المحافظة على المصالح الوطنية لكل دولة، وتبادل الخريطة الاستثمارية المعتمدة في كل طرف، والتشاور حول إقامة شركة مشتركة للتسويق الزراعي.

الوصول لمذكرة التفاهم
يشرح معاون وزير الزراعة السوري الدكتور فايز مقداد في حديث خاص لـ(تشرين)، كيف تبلورت مراحل العمل والاجتماعات المتتالية للوصول إلى مذكرة التفاهم تلك بين الدول الأربع، والتي جاءت بعد انعقاد مؤتمر الأغذية والزراعة (الفاو) الإقليمي للشرق الأدنى وشمال إفريقيا بدورته الـ/36/ في العراق ــــ بغداد خلال الفترة (7 ـ 8/2/2022). وعلى هامش المؤتمر، قام وزير الزراعة السوري والوفد المرافق بجولة ميدانية على سوق الجملة في منطقة الرشيد في بغداد، تم خلالها الاطلاع على المنتجات الزراعية المُصدّرة من سورية للعراق، ولقاء تجار الجملة وسائقي الشاحنات لرصد المشكلات والصعوبات التي تواجه تصدير المنتج السوري إلى العراق، ومقارنة أوضاع المنتجات السورية مع المنتجات المستوردة من الدول الأخرى من حيث (المواصفة ــ الجودة ــ السعر ــ الأذواق الاستهلاكية وغيرها).

بناءً عليه تم الاجتماع مع وزراء (الزراعة ــ التجارة) في العراق، ونوقشت نتائج الجولة الميدانية على سوق الرشيد، ورؤية التجار السوريين حول الصعوبات التي تواجه تسويق المنتجات السورية، وتم طلب منح ميزات تفضيلية للمنتجات السورية، وخاصةً الحمضيات للمساعدة على تسويقها، والسماح بدخول الشاحنات إلى الأراضي العراقية وصولاً إلى الأسواق المحلية.
وخلال افتتاح المؤتمر الإقليمي التقى وزير الزراعة السوري رئيس مجلس الوزراء في العراق، وطرح المشكلات التي تواجه تصدير المنتجات الزراعية السورية إلى العراق، وخاصة الحمضيات، كما تم بيان نتائج الحوار مع وزراء (الزراعة ــ التجارة) في العراق واطلاعه على رؤيتنا في منح ميزات تفضيلية للمنتجات السورية.
وبنتيجة اللقاءات الثنائية بين وزراء الزراعة العرب في كل من (العراق ــ الأردن ــ لبنان وغيرها)، كان بالإمكان تركيز الأفكار حول مشكلات التسويق الخارجي إلى الدول العربية أو من خلالها عبر تجارة العبور (الترانزيت)، (منها ما يتعلق بالحمضيات السورية في العراق، وتجارة أغنام العواس عن طريق الأردن، وتجارة الموز اللبناني عن طريق سورية وغيرها من العلاقات التجارية بين الدول الأربع)، ولوحظ أن الأهم بالنسبة لسورية هو تسهيل عمليات التجارة البينية أو تجارة العبور مع دول الجوار؛ الأردن والعراق ولبنان.
تسهيلات التجارة البينية
أضاف الدكتور مقداد: تم عقد اجتماع رباعي لوزراء الزراعة في هذه الدول، ومناقشة العديد من المحاور الخاصة بتسهيلات التجارة البينية أو تجارة الترانزيت، أهمها:
• تكامل الإنتاج الزراعي وروزنامته وأوقات توفر فائض أو عجز من أهم المنتجات في كل دولة.
• التسهيلات والميزات التفضيلية التي يمكن منحها لمنتجات الدول الأربع تعزيزاً للتجارة بينها.
• الرسوم والتسهيلات اللوجستية الممكنة (كدخول الشاحنات عبر الحدود من دون الحاجة إلى استبدالها على الحدود).
• التشريعات وأنظمة الحجر الصحي النباتي والبيطري والحواجز الجمركية وغير الجمركية.
• أسس وأنظمة تسجيل وتداول المبيدات والأسمدة والأدوية واللقاحات البيطرية.

وثيقة إطارية للمعالجة
خلصت تلك الاجتماعات وفقاً لمعاون وزير الزراعة السوري، قبل لقاء دمشق إلى ضرورة عقد اتفاق رباعي يشكل وثيقة إطارية لمعالجة النقاط الواردة أعلاه.
وبمتابعة التنسيق من وزارة الزراعة السورية، وبهدف مناقشة الصيغة النهائية والتوقيع على الاتفاقية من الأطراف الأربعة، تمت الدعوة لعقد الاجتماع الرباعي لوزراء الزراعة في الدول الأربع إلى دمشق، يومي 26-27/3/2023، تحت شعار: «نحو تحقيق التكامل الاقتصادي الزراعي على المستوى الإقليمي».
وهذه الخطوة ستكون فاعلة ومؤثرة في دعم الإستراتيجيات المشتركة، لخدمة قضايا الأمن الغذائي والتجارة الزراعية، وتعزيز المصالح المشتركة والتقارب بين الدول العربية، ويشكل ذلك دفعاً للحراك الاقتصادي كمنعكس للحراك الذي نشهده على الصعيد السياسي في الآونة الأخيرة.
ومن المتوقع أن تؤدي الإجراءات والمحاور السابقة، والمفاوضات حولها إلى تعزيز دور التجارة البينية في انسياب السلع الزراعية بين البلدان الأربعة، وتوفير بعضها في أوقات الحاجة لها من دول الجوار، وتسويق الفائض من بعضها الآخر في فترات ذروة الإنتاج، وذلك من خلال رسم روزنامة زراعية تعكس كميات الإنتاج ومواعيده، بما يخدم التكامل الزراعي بين الدول، وتبادل البيانات الزراعية التي تساعد على تحديد كمية المنتجات الزراعية ومستلزمات الإنتاج الزراعي المتاحة للتداول والتبادل ضمن تلك الروزنامة.
كما تضمن الاتفاق تأسيس شركات تسويقية من القطاع الخاص متخصصة بتسويق المنتجات الزراعية، وتفعيل الزراعة التعاقدية عبر الدول الأربع، وتنظيم تجارة العبور في السلع الزراعية.
وأعرب وزراء الزراعة الأربعة عن رغبتهم العميقة في أن يكون الاتفاق الرباعي نواةً يتم المضي من خلالها بخطوات أشمل، على طريق التعاون العربي في المجالات الزراعية وتسهيل التجارة البينية، ودعوة كل الدول العربية للانضمام إلى هذا الاتفاق، وتوسيع مظلته لتعميق العمل العربي المشترك.

الاتفاق الرباعي يشكل نواة على طريق التعاون العربي في المجالات الزراعية وتسهيل التجارة البينية وتوسيع مظلته لتعميق العمل العربي المشترك.

دور «أكساد» في تنفيذ الاتفاقيات

وعن الدور الذي يمكن أن تؤديه «أكساد» في تنفيذ الاتفاقيات من خلال بحوثها المنجزة وإرشاداتها وتجربتها الغنية، وخاصة في سورية باعتبارها الحاضن للمركز، بيّن الدكتور عبيد في حديثه لـ«تشرين» أن “أكساد” مركز بحثي على مستوى الوطن العربي، يعمل على التكامل بين البحوث في كل الدول العربية، ومن مهامه أيضاً التي كلفته بها الدول العربية جميعاً باتفاقية الإنشاء في دولة المقر في سورية، التنسيق بين كل الدول العربية في القطاع الزراعي، ولذلك منذ الفكرة الأولى للاجتماع الرباعي التي بدأت في الاجتماع الإقليمي لـ«الفاو» في العراق، كنا من الداعمين والمتابعين لها، والمنسقين بين كل وزراء الزراعة في الدول العربية الأربع، مضيفاً: نطمح لأن يكون نواة حقيقية لضم أكبر قدر ممكن من الدول العربية لهذا الاجتماع في المستقبل، والتوقيع على مذكرة التفاهم بشقيها، سواء كانت بإنشاء مشاريع تنموية أم بحوث تطبيقية تنجم عنها، لتقليص الفجوة الغذائية، وتحقيق الأمن الغذائي، وانسياب السلع الزراعية بين الدول العربية الشقيقة، وفق الميزة النسبية لكل منها، فعندما يكون هناك فائض في إحدى الدول، وفقاً للروزنامة الزراعية، يمكن أن تستفيد منه الدول الأخرى، وتالياً لا يتعرض قطاع الزراعة لخسارة، بل على العكس يحقق ربحاً وصموداً لإخوتنا الفلاحين والمنتجين والمزارعين في الدول الأربع، وفق حاجة كل دولة من هذه الدول ودول الجوار.

كما يمكن الاستفادة من هذه الميزة في سرعة وصول هذه السلع، وتخفيف الضرائب والرسوم الجمركية، وتسهيل الإجراءات على الحدود، وتطبيق المواصفة التي يمكن أن تكون مناسبة لكل دولة من دولنا الأربع، ولا شك بأنها ستساهم في تحقيق الأمن الغذائي، ولذلك تفرض ظروف النقص في المياه علينا العمل على استنباط أصناف شديدة المقاومة للجفاف والحرارة والإجهادات البيئية، وهذا ما عملنا عليها ونستمر به، وإجراء البحوث باتجاه المياه، وخاصة نشر وحصاد المياه، وإدارة موارد الري بالنسبة للمياه، وفقاً لحاجة كل محصول من هذه المحاصيل للمقنن المائي المناسب له.
التغيرات المناخية
وعن عمل المركز ونشاطه مع التغيرات المناخية، وأهمية ذلك على أصناف القمح والخضار والأشجار المثمرة بيّن مدير عام «أكساد» أن الأصناف الحالية التي ينتجها «أكساد » هي الأكثر تحملاً للجفاف، ودرجات الحرارة التي أصبحت مرتفعة بشكل كبير جداً، وتالياً لدينا الآن أصناف تزرع في المناطق التي لا تزيد نسبة الأمطار فيها على 150 ملليمتراً.

مدير عام «أكساد»: تحرص سورية على تقديم كل الدعم للمركز انطلاقاً من إيمانها بالعمل العربي المشترك

كما أن مصر تزرع الصحراء بأكبر مشروع لزراعة القمح، وهو من أصناف أكساد الذي تنفذه في مياه لا تزيد على 150 ملليمتراً، من خلال نشر وحصاد المياه، وسدود الإعاقة والري التكميلي، رغم أن الحرارة تتجاوز هناك 40 إلى 50 درجة.
ولا تقف المسألة على جانب الزراعة فقط، في التغيرات المناخية، بل ندرس أيضاً واقع أغنام العواس والماعز الشامي والإبل لتحسين إنتاجيتها، وكذلك النخيل والزراعة النسيجية، ونعمل الآن على مشروع في منطقة السلمية في سورية لنشر وحصاد المياه بأقل من 130 ملليمتراً، وقد زادت إنتاجية شجرة الزيتون بمقدار 30 في المئة.
وهناك الري الناقص، ولدينا مشروع «كوكروك» المهم جداً، والحديث الذي نطوره نحن و«الفاو» في المنطقة العربية لإدارة مياه وموارد الري في الزراعة، والنمذجة الرياضي والسحب العملي للمياه الجوفية، وقد درسنا 16 حوضاً بالتعاون مع وزارة الموارد المائية في سورية، وهذه الأحواض كلها تعمل على إدارة المياه الجوفية، وتقليل الفاقد منها، وتأمين الاحتياطات اللازمة وفق التنمية المستدامة في سورية.
ولدينا أصناف من أشجار الزيتون واللوزيات والفستق الحلبي المتحملة للتغيرات المناخية الشديدة والجفاف التي تحصل في منطقتنا العربية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية مؤتمر "كوب 29" يعكس عدم التوازن في الأولويات العالمية.. 300 مليار دولار.. تعهدات بمواجهة تغير المناخ تقل عن مشتريات مستحضرات التجميل ميدان حاكم سيلزم «إسرائيل» بالتفاوض على قاعدة «لبنان هنا ليبقى».. بوريل في ‏بيروت بمهمة أوروبية أم إسرائيلية؟ إنجاز طبي مذهل.. عملية زرع رئتين بتقنية الروبوت مركز المصالحة الروسي يُقدم مساعدات طبيّة وصحيّة لمصلحة المركز الصحي في حطلة القوات الروسية تحسن تموضعها على عدة محاور.. وبيسكوف: المواجهة الحالية يثيرها الغرب