هل تحقق قمة جدة هدف الأمن الغذائي العربي؟.. تقارير دولية وعربية تحذر من أزمة غذاء قادمة و..حلّها بالتكامل العربي
تشرين- باسم المحمد:
تحتاج الدول العربية ضمن الظروف الدولية المتأزمة والتغيرات المناخية الخطرة إلى استراتيجيات شاملة لتأمين شعوبها ضد أزمات الغذاء التي تتوقعها معظم المنظمات الدولية والمراكز البحثية، لأسباب عديدة أولها الأزمات السياسية والعسكرية في الدول المنتجة لأهم المواد الغذائية، وكذلك الارتفاع الهائل في تكاليف الإنتاج، بسبب الأزمات الدولية التي تختلقها دول الغرب، وهدفها الوحيد هو تجويع الشعوب لإخضاعها، بغضّ النظر عن النتائج الإنسانية الكارثية، وكذلك تضاعف تكاليف الشحن بمختلف أنواعه بعد جائحة “كورونا” وانقطاع سلاسل الإمداد في العالم، والتغيرات المناخية السلبية الناجمة عن التلوث الذي تحدثه الدول الكبرى بصناعاتها المختلفة.
فجوة غذائية هائلة تتسع بفعل المتغيرات الدولية والمناخية
ومنذ سنوات طويلة، تعاني الدول العربية من فجوة غذائية، وحسب الأرقام المتوفرة فإن الفجوة الغذائية العربية بلغت عام 2020 نحو 35.3 مليار دولار، نصفها يعود إلى نقص الحبوب، ففي عام 2020 بلغت واردات الدول العربية من الحبوب ما قيمته 20.8 مليار دولار، وكان القمح على رأس قائمة الحبوب في الواردات الغذائية العربية في العام نفسه بقيمة ما يزيد قليلاً على 9 مليارات دولار.
تحذيرات أممية
في نهاية آذار الماضي أصدرت منظمة الغذاء العالمية FAW تقريراً حذرت فيه من تسارع انعدام الأمن الغذائي في المنطقة العربية بسبب الأزمات العالمية، وكشف التقرير أن ما يقدر بنحو 53.9 مليون شخص عانوا من انعدام الأمن الغذائي الشديد في المنطقة العربية في عام 2021، أي بزيادة قدرها 55 في المئة منذ 2010، وزيادة قدرها 5 ملايين عن العام الذي سبقه، وأكد التقرير الذي صدر عن كل من منظمة الأغذية والزراعة، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، و«اليونيسيف»، و«الإسكوا»، أن مستويات الجوع وسوء التغذية وصلت إلى مستويات حرجة في المنطقة العربية، ولاسيما بعد أن أعاقت جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا إمكانية الحصول على الأغذية الأساسية، محذراً من أن انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد قد واصل منحناه التصاعدي، ليؤثر سلباً في ما يقدر بنحو 154.3 مليون شخص في عام 2021، بزيادة قدرها 11.6 مليون شخص عن العام السابق.
انعدام الأمن الغذائي يهدد أكثر من 154 مليون عربي وهو في تصاعد
إضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى أن أكثر من نصف سكان الدول العربية، أي 162.7 مليون شخص، لم يستطيعوا تحمل تكلفة تبني نمط غذائي صحي في عام 2020. وتتزايد تكلفة اتباع نمط غذائي صحي في المنطقة العربية كل عام منذ عام 2017، حيث وصلت التكلفة في عام 2020 إلى 3.47 دولارات للفرد الواحد في اليوم.
وحسب التقرير فإنّ المنطقة العربية لم تكن أصلاً على الطريق الصحيح المطلوب لتحقيق مقصدي هدف التنمية المستدامة بشأن القضاء على الجوع وتحسين التغذية، وبالتالي فقد تسببت كل من جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا في تفاقم الوضع من خلال إيجاد اضطرابات في سلاسل التوريد وزيادة أسعار الحبوب والأسمدة والطاقة. ونظراً لأن المنطقة تعتمد اعتماداً كبيراً على الأغذية المستوردة لتلبية متطلبات الأمن الغذائي، فقد أثرت هاتان الأزمتان في البلدان العربية أكثر من غيرها من البلدان، وزادتا من حدة انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في المنطقة.
وإضافة إلى هذه الأحداث العالمية، فإنّ عوامل أخرى مثل تغير المناخ والنزاعات والقضايا الهيكلية مثل الفقر وانعدام المساواة تزيد من عبء تحقيق الأمن الغذائي وتحسين التغذية في المنطقة. لذلك، خلص معدو التقرير إلى أنه من غير المرجح أن تحقق المنطقة العربية الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة والمتمثل في القضاء على الجوع بحلول عام 2030.
التجارة الغذائية
وسلط التقرير الإقليمي الضوء على التجارة كعامل تمكين أساسي لضمان تحقيق جميع الأبعاد الأربعة للأمن الغذائي والتغذية، من توفر وإمكانية الحصول على الغذاء والاستخدام والاستقرار، عن طريق زيادة كمية وتنوع الغذاء وخفض سعره بالنسبة للبلدان المستوردة الصافية للغذاء. ومع ذلك، فإنّ معظم بلدان المنطقة لم تدمج التجارة في سياسات الأمن الغذائي، وبالتالي، يجب إعادة تصميم السياسات ذات الصلة وفقاً لذلك، كما يجب تحويل نظم الأغذية الزراعية في المنطقة لجعلها أكثر كفاءة وشمولية ومرونة واستدامة.
وبيّن التقرير كذلك أن التجارة الدولية ليست مهمة فقط لتوفر الغذاء، لكنها تلعب دوراً رئيسياً أيضاً في تعزيز التكنولوجيا من خلال نقل المعرفة التي يمكن أن تساهم في زيادة الإنتاجية وتحسين فرص العمل وتنمية المداخيل، داعياً الدول العربية إلى الاستفادة من التجارة البينية والاعتماد بشكل أكبر على قدرات بعضها بعضاً، حيث تساعد التجارة الإقليمية على الحد من نقص الغذاء خلال دورات الإنتاج الزراعي العادية وتوفر آلية مهمة لمعالجة نقص الإنتاج أو اضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن الآثار السلبية وغير المتوقعة للأحداث العالمية.
صندوق النقد العربي
وفي آذار الماضي أيضاً أصدر صندوق النقد العربي أيضاً دراسةً أكد فيها اتساع الفجوة الغذائية في الوطن العربي، وأصبحت الدول العربية تستورد نسباً معتبرة من احتياجاتها من السلع الغذائية الرئيسة، مشيرةً إلى أن نصيب الفرد من الناتج الزراعي في الدول العربية شهد انخفاضاً بنسبة 29 في المئة خلال العقد المنتهي في عام 2020 ليصل إلى حوالي 329 دولاراً في عام 2020 مقابل 465 دولاراً في عام 2010.
وحسب الدراسة، فإنه بالرغم من غنى الوطن العربي بالموارد الطبيعية والبشرية، إلا أن القطاع الزراعي لم يحقق الزيادة المستهدفة في الإنتاج لمقابلة الطلب على الأغذية، ما ساهم في اتساع الفجوة الغذائية. ومع تواتر الأزمات الغذائية العالمية، والتطورات العالمية الراهنة وتقلبات سلاسل التوريد الغذائي، ازداد اهتمام الدول العربية بتوفير احتياجاتها من الغذاء، بهدف الحد من تأثرها بتلك التغيرات ولتقليص اعتمادها على الواردات الغذائية. وباشرت بعض الدول العربية باتخاذ إجراءات متنوعة مثل دعم أسعار الأغذية، وتقنين تصدير السلع الغذائية، وتيسير الإجراءات الضريبية على الواردات، وزيادة أجور العاملين في القطاع الزراعي، وتوجيه التمويل نحو القطاع الزراعي، وغيرها.
وأصدرت الدراسة مجموعة من التوصيات على صعيد السياسات، من أهمها ما يتعلق بمراجعة السياسات التي تتبعها الدولة في دعم السلع الغذائية، وتبني إجراءات وأدوات من شأنها تسهيل الوصول الى من يستحقون الدعم النقدي المباشر، وكذلك تبني سياسات من شأنها تعزيز كفاءة الائتمان الممنوح للقطاع الزراعي.
فرصة القمة
تشير التصريحات من المسؤولين العرب إلى عهد جديد في السياسات العربية السياسية والاقتصادية، والابتعاد عن الإملاءات الأمريكية الهدامة، وهذا أمر انتظرته الشعوب العربية منذ عقود، وهي الآن متفائلة بإزالة الخلافات والابتعاد عن المؤامرات والمحاولات الغربية لسرقة مقدراتها الكبيرة، والعمل على تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية العديدة وأهمها منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وتشبيك الدول العربية فيما بينها لما في ذلك من مصلحة مشتركة للجميع، فالمتغيرات الدولية تنبيء بمخاطر جمة تجاه الدول الضعيفة وغير القادرة على الاستقلال في تأمين احتياجاتها الغذائية، وحتى الدول التي تملك المال هي مهددة بانقطاع سلاسل التوريد واتجاه الدول المنتجة للمواد الغذائية نحو تخزين منتجاتها تحسباً للتطورات والأزمات الكبرى الحالية والمتوقعة مستقبلاً.
لذلك فإنّ جميع العرب يمتلكون الآن فرصة ذهبية للتنسيق فيما بينهم، والعمل على تكامل منتجاتهم ومواردهم الطبيعية والبشرية الهائلة، والتواصل البري بين الدول المنتجة والمستهلكة، وهذا يوجب عدم التأخر في البدء بمشروعات زراعية ضخمة ولاسيما في مجال الحبوب والبذور الزيتية والمنتجات الحيوانية والثروة السمكية، والعمل على إنشاء شبكة مواصلات تمكّن العرب من تبادل منتجاتهم، ومحاولة التخلص من هيمنة الدولار في المعاملات التجارية البينية، والذي تتجه إليه معظم دول العالم تجنباً لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية الاستعبادية، والاتجاه نحو استعمال العملات العربية وأساليب المقايضة بعيداً عن مصيدة الدولار و”سويفت”.
كما أن تحقيق الأمن الغذائي العربي يستوجب وقوف العرب جميعاً إلى جانب الدول المهددة بأمنها المائي ولاسيما مصر والسودان من قبل إثيوبيا، وسورية والعراق من قبل تركيا، لأنّ هدفها النهائي القضاء على مقومات الزراعة في هذه البلدان، وبذل كل ما يمكن لإزالة تأثيرات التدخلات الدولية في البلدان العربية والتي أفقدتنا الكثير خلال العقد الأخير.