ما يحصل في أسواقنا المنفلتة والمتروكة على “راحة” التجار وتسعيرهم غير الرحيم، لا يمكن توصيفه إلّا بـ”الجنون” المطلق، وخاصة مع التغيّر الإيجابي لجهة الانفتاح العربي والإقليمي، بحيث يفترض أن نشهد استقراراً اقتصادياً وليس موجة غلاء جديدة قاصمة لظهور ذوي الدخل المحدود، فمع كل ارتفاع جديد للسلع المقرون بسعر الصرف تنخفض معه قيمة الدخول الشهرية، التي لم تعد تكفي ليوم واحد فقط، وأصبحت العائلات عاجزة عن تدبير شؤونها، فمن سينقذها إذا كان المعنيون يصرّون على عدم زيادة الرواتب مع رفع أسعار السلع والخدمات كل فترة.
ارتفاع سعر الصرف المفاجئ غير المفهوم اقتصادياً إلّا من زاوية التقصير بدعم الإنتاج لمصلحة المستوردين، إضافة إلى لعبة المضاربات ومحاولة التشويش على المناخ الجديد تجاه دمشق والعودة المبشرة إلى الجامعة العربية، المتوقع انعكاسها إيجاباً على الوضع الاقتصادي وليس العكس، ما يلزم تدخلاً عاجلاً بأدوات فاعلة لمنع هذه المضاربات والضرب بيد من حديد على من يدير هذه اللعبة، التي حققت أموالاً طائلة لتجار العملة على حساب الخزينة والمواطن وأهل الإنتاج، الذين أصبح لزاماً دعمهم وتقديم التسهيلات المطلوبة لمعاودتهم التشغيل والتصنيع بكل الطاقات الممكنة وليس فرملة حركته بقرارات الجباية على نحو يزيد الأمور تعقيداً، فالإنتاج سواء أكان زراعياً أو صناعياً وحده كفيل بإخراج اقتصادنا من نكبته وتحسين الواقع المعيشي تدريجياً، لكن المهم حالياً ضبط الأسواق ومنع هذه الشطحات السعرية، التي أدخلت قوائم جديدة من المواطنين في دائرة الفقر لدرجة تقترب من انعدام الأمن الغذائي في بلد زراعي تجود أرضه بثروات استثمارها بشكل جيد يتيح طرح المنتجات بأسعار مقبولة ومنع القول تحت أي ظرف إنّ هناك مواطناً جاع ويعجز عن تأمين قوت يومه، لكن للأسف إرهاق الفلاح بتكاليف كبيرة والتخلي عن دعمه أوصلانا إلى هذه الحال وجعلا من لا يزال يصرّ على زراعة أرضه تحت رحمة التجار الذين يقطفون الغلة والثمار عند تسويق المحاصيل.
الحفاوة العربية الكبيرة بعودة سورية إلى الجامعة العربية ورفض الانصياع إلى طلبات الأميركي، المهدد بورقة العقوبات الاقتصادية، التي رغم قسوتها يستوجب عدم الاستسلام لها وخاصة مع الواقع العربي والإقليمي الجديد وامتلاك اقتصادنا الكثير من عوامل القوة، توجب تعاطياً مختلفاً من الفريق الاقتصادي واستثمار هذه النقاط المهمة في تحسين الواقع الاقتصادي والمعيشي بإصدار قرارات جريئة تدعم الإنتاج وأهله وتبعد سيطرة حيتان السوق وشركائهم الفاسدين عن الساحة على نحو يوازن الأسعار ويخفضها وصولاً إلى امتلاك القدرة على زيادة الرواتب، التي أصبحت ضرورة ملحّة ومنقذة.
رحاب الإبراهيم
68 المشاركات