تركيا وأيام عشرة مصيرية.. فوز أردوغان ما زال مُعلقاً بسورية

تشرين- مها سلطان:

بعيداً عن كل القراءات التي انتهى إليها مشهد الانتخابات التركية يوم الأحد الماضي، ليستقر على جولة إعادة في الـ28 من هذا الشهر، علماً أنها بمجملها قراءات منطقية وواقعية.. بعيداً عن هذه القراءات لنتحدث عن فترة الأيام العشرة المتبقية لجولة الإعادة ونعيد صياغة تحليلات وتوقعات تتناسب أولاً مع النتائج التي منحت الرئيس الحالي رجب أردوغان تقدماً مهماً، وإن كانت لم تعطه فوزاً حاسماً جَهِدَ خلال الأشهر الماضية في سبيل الحصول عليه، وبدا واثقاً منه.. وتتناسب ثانياً مع مسألة أن هذه الأيام العشرة تشكل فرصة ثمينة أمام أردوغان لإتمام ما لم يُتمه قبل يوم الانتخابات، ونقصد هنا مسألة التقارب مع سورية باعتبارها أحد ملفين رئيسين يُحددان مصير أردوغان، فيما الملف الآخر متعلق بالمرشح سنان أوغان رئيس حزب الأجداد «تحالف آتا» القومي اليميني الذي حلّ ثالثاً في الانتخابات.

من هذين الملفين تنطلق معظم التحليلات والتوقعات وإن كان الاهتمام الأكبر في الداخل التركي ينصّب على موقف سنان أوغان وما سيقرره حيال مسألة لمن ستكون أصوات حزبه، لأردوغان أم لكليتشدار أوغلو؟

أوغان حتى الآن لم يُعلن موقفاً واضحاً باستثناء تصريحات تصدر عنه تركز على أن لديه جملة شروط قبل أن يُعلن قراره، وأنه سيتشاور أولاً مع حزبه.. وثانياً سيلتقي ممثلين من كلا الحزبين، حزب أردوغان، وحزب كليتشدار أوغلو، وبعدها يقرر.. هذا يعني أن كل الاحتمالات واردة ولن نعرف الجواب إلّا قبل يوم، أو عشية جولة الإعادة ربما.

في هذا الوقت ستكون الساحة التركية نهباً للتجاذبات والاستقطابات، في كل المجالات وعلى مختلف القضايا، وكذلك تصريحات بسقوف عالية قد تتخطى ما كانت عليها خلال الحملات الانتخابية، إضافة إلى استطلاعات الرأي التي ستوسع وتصاعد من هذه الحالة.. كل هذا من دون القدرة على توقع نتيجة حاسمة، أو إن المفاجآت غير ممكنة، فما زال للمعارضة حظوظ كبيرة في فوز مرشحها كليتشدار أوغلو.

إذاً ستستمر حالة عدم اليقين، ولن يكون هناك ترجيح لأي كفة على الأخرى إلّا إذا..؟!

هذه الـ«إلا» متعلقة بالملف الثاني، ملف التقارب مع سورية، ونذكر أنه كان هناك شبه إجماع بين المراقبين والمحللين على أن الاجتماع الرباعي الذي عقد في موسكو على مستوى وزراء الخارجية «سورية، تركيا، إيران، موسكو» قبل ثلاثة أيام فقط يوم الانتخابات التركية، كان له دور كبير في تقدم أردوغان ليحل أولاً في الانتخابات، حتى وإن لم يحقق الفوز، إذ إن هذا التقدم يعدّ بشكل من الأشكال نوعاً من الفوز، أو لنقل إنه تقدم يمنحه حظوظاً أكبر للفوز في جولة الإعادة.. والسؤال: ماذا لو كان مسار التقارب مع سورية اكتمل قبل الانتخابات بقمة رئاسية، ألن يكون الفوز حتماً من نصيب أردوغان؟

لن نجيب بشكل مباشر.. ولكن لنذكر ببعض المعطيات:

– لنذكر هنا أنه قبل هذا الاجتماع الرباعي كانت معظم استطلاعات الرأي تعطي كلا المرشحين الرئيسين، أردوغان، وكليتشدار أوغلو، أرقاماً متقاربة، ثم متساوية، ثم تراجعاً لأردوغان في عدة استطلاعات، حتى إن البعض كتب، مستبقاً يوم الانتخابات، جازماً بهزيمة أردوغان.

– ولنذكر هنا أنه عشية الانتخابات، أي بعد الاجتماع الرباعي، خرج علينا استطلاعان للرأي، شكّلا خرقاً لمسار الاستطلاعات، مشيرين إلى تقدم أردوغان بعدة نقاط تجعله فائزاً حتمياً.. في نهاية يوم الانتخابات، الأحد الماضي، ومع توالي عمليات فرز الأصوات، ظهر تقدم أردوغان واضحاً، تماماً كما جاء في الاستطلاعين آنفي الذكر، لكن أردوغان لم يَفز، وبدا أن الفوز بحاجة إلى دفعة إقليمية، والمقصود هنا طبعاً سورية ومسار التقارب معها.

– ولنذكر هنا أنه من ضمن جملة القراءات للمشهد الانتخابي التركي كان هناك تركيز على أن الملفين الأساسيين الحاسمين في جولة الإعادة، هما أصوات حزب سنان أوغان، والملف السوري، وعندما نقول الملف السوري فهذا معناه أمر واحد فقط وهو أن يكتمل مسار التقارب مع سورية بقمة تجمع أردوغان مع الرئيس بشار الأسد.

من هنا تنطلق مسألة أن العشرة أيام المقبلة التي تفصلنا عن جولة الإعادة، هي فرصة ثمينة أمام أردوغان للعمل في سبيل قمة تجمعه مع الرئيس الأسد، وهذا أمر متوقع جداً باعتبار أنه هو من طلب التقارب مع سورية.. وهو من وسّط روسيا في سبيل ذلك.. وهو من قدّم خريطة طريق تنتهي بقمة رئاسية بينه وبين الرئيس الأسد.. وهو مدرك تماماً أن مسار الاستدارة التي أقدم عليها إقليمياً وعربياً لن تكتمل من دون سورية، وأن معادلة العودة إلى «صفر مشاكل» مع الجوار والإقليم، لن تتم من دون سورية، وأن تحقيق الاستقرار لتركيا لن يكون من دون علاقات طبيعية مع سورية.. وأخيراً، أن مسألة فوزه بولاية رئاسية جديدة لن تتحقق من دون وصول ملف التقارب مع سورية إلى محطته النهائية، أي اللقاء مع الرئيس الأسد.

– لنذكر هنا أيضاً أن أردوغان- كما يُفترض- لديه أوراق قوة داخلية تفوق ما لدى المعارضة وما لدى خصمه كليتشدار أوغلو، فبعد الاستفتاء الشهير في عام 2017 باتت جميع مؤسسات الدولة ومرافقها وأجهزتها، وأهمها الجيش والأمن والمخابرات والقضاء، في يد أردوغان.. والأهم من كل ذلك الإعلام المرئي الذي يسيطر أردوغان على 95 بالمئة منه.. ذلك الاستفتاء منحه صلاحيات شبه مطلقة، جعل كل السلطة تتركز بين يديه، ليُكدس من خلالها- وعلى مدى السنوات الست الماضية – أوراق قوة على مستوى الداخل كفيلة بهزيمة أي مرشح يقف بمواجهته.. ولكن المسألة هنا، كما بات شائعاً القول تتلخص في معادلة من طرف واحد فقط هو: سورية.

صحيح أن هذه الانتخابات كانت غير مسبوقة في تاريخ تركيا لناحية طوفان القضايا والمسائل والأزمات والمشكلات داخلياً وخارجياً الذي سيطر عليها.. وصحيح أنها المرة الأولى في تاريخ البلاد، ما بعد نهاية العثمانية، التي تنتهي فيها انتخابات رئاسية إلى جولة إعادة.. وصحيح أن نتائج الانتخابات أثبتت انقساماً، بل انشطاراً في الرأي العام التركي بشكل ينذر بمخاطر كبيرة في المستقبل أياً يكن الفائز في جولة الإعادة.. وصحيح أنه كان هناك نوع من الثقة بأن أردوغان سيكون الفائز بغض النظر عن استطلاعات الرأي التي كانت تعطيه تقارباً مع المعارضة ثم تراجعاً عنها.. وصحيح أن مصير أردوغان استقر داخلياً بين يدي خصمه سنان أوغان.. إلّا أن أردوغان مازالت لديه فرصة ثمينة لإمساك زمام الأمور من جديد وتوجيهها نحو فوز حتمي له.. حلفاء أردوغان الإقليميون والدوليون يدركون ذلك تماماً، وسيعملون معه في سبيل ذلك.. واللبيب من الإشارة يفهم، كما يقول المثل.

في كل الأحوال، ما زال أمام أردوغان عشرة أيام ذهبية، وإن كانت سورية اليوم في أوج تألقها عربياً وانشغالها بالقمة العربية المقررة في الرياض يوم الجمعة المقبل، وما تستوجبه هذه القمة من أعمال وتحضيرات واجتماعات، فإنّ الفرصة ستعود سانحة ما بعد القمة.. وفي السياسة لا شيء مستحيلاً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية مؤتمر "كوب 29" يعكس عدم التوازن في الأولويات العالمية.. 300 مليار دولار.. تعهدات بمواجهة تغير المناخ تقل عن مشتريات مستحضرات التجميل ميدان حاكم سيلزم «إسرائيل» بالتفاوض على قاعدة «لبنان هنا ليبقى».. بوريل في ‏بيروت بمهمة أوروبية أم إسرائيلية؟ إنجاز طبي مذهل.. عملية زرع رئتين بتقنية الروبوت مركز المصالحة الروسي يُقدم مساعدات طبيّة وصحيّة لمصلحة المركز الصحي في حطلة القوات الروسية تحسن تموضعها على عدة محاور.. وبيسكوف: المواجهة الحالية يثيرها الغرب