“السورية للمخابز” تعيد ترتيب البيت الداخلي عبر بوابة نظام الإشراف..
تشرين – سامي عيسى:
أسئلة كثيرة يحملها لسان المواطن, وتثير جدلاً واسعاً في أوساط الرأي العام تتعلق بجودة رغيف الخبز, واختلافها من مخبز لآخر, وحتى بين احتياطي وآلي, وحتى طريقة الإدارة, وكيفية التعاطي في تأمين مستلزمات الإنتاج، وهامش الحرية لإدارة الأفران واختلافها في حالتي الاحتياطية والآلية، وما تحمله من محسوبيات تفرض نفسها على أرض الواقع، والتعاطي معها بصورة تؤثر مباشرة على الإنتاج وجودة الرغيف، التي يسعى الجميع لتحسينها ليس على مستوى المؤسسة فحسب، بل على المستوى الحكومي مع أطراف العلاقة في القطاعين العام والخاص، وخاصة أن المؤسسة السورية للمخابز تؤمن أكثر من نصف حاجة البلد والبقية من نصيب القطاع الخاص …
لكن أكثر الأسئلة التي أثارت الجدل “المخيف” في ساحة إنتاج رغيف الخبز هو” نظام الإشراف” وما رافقه من شائعات وأقاويل حول سعي المؤسسة لاعتماد نظام الإشراف في كل مخابزها، والاستغناء عن نظام الإدارة في الآلية، الأمر الذي أوجد حالة من القلق والتشويش على آلية العمل, وبالتالي انعكاس ذلك سلباً على جودة الرغيف وتوفيره..
في التفاصيل
“تشرين” واكبت هذا الجدل لمعرفة تفاصيل الحقيقة, واستيضاح الاتجاه الجديد للمؤسسة نحو توسيع دائرة الاعتماد على نظام الإشراف في إنتاج الرغيف، ومعرفة الأسباب الموجبة لهذا الاتجاه..؟
إنفاق 70 مليار ليرة لتطوير 100 مخبز من أصل 207 بالتعاون مع المنظمات الدولية ..
مدير عام المؤسسة السورية للمخابز مؤيد الرفاعي عنده خبر ” جهينة اليقين” الذي قدّم من خلاله لـ” تشرين” الكثير من التوضيحات لما يثار حول نظام الإشراف والتي أعادنا بها إلى منتصف ستينيات القرن الماضي حيث شهدت أزمة رغيف خانقة نتيجة عدم قدرة مخابز القطاع الخاص على تلبية الحاجة, والوقوع في أزمة اشتدت مفاعيلها أكثر فأكثر إلى أن صدر المرسوم التشريعي/ رقم 1126 – للعام 1975/ المتضمن”إحداث الشركة العامة للمخابز” لتتولى مهام الرغيف وتحمل إنتاجيته وتوزيعه، وبعد ذلك دخول لجنة المخابز الاحتياطية على خط الإنتاج في العام 1979 لتكون الرديف الثاني في الإنتاج، وسد النقص الحاصل في الطاقة الخبزية، واعتماد نظام الإشراف في المتابعة، وهذه أولى الخطوات التي مازلنا نعمل عليها ومستمرين بها وفق التطورات الجديدة مع الحفاظ على هوية الإنتاج والجودة المطلوبة..
التشغيل مظلته القانون
وهنا لا بدّ لنا من الدخول في صلب العمل ومظلة القانون التي تحمي العملية الإنتاجية من “بابها حتى محرابها” لتخرج منتجاً قابل للاستهلاك، وهنا يؤكد الرفاعي أن العمل لدى الجانبين مقونن والجميع تحت سقف القانون سواء في نظام الإشراف أو الإدارة، والقانون الأساسي للعاملين في الدولة هو الأساس في تشغيل اليد العاملة، ففي نظام الإدارة يتم وفق المسابقات أو الاختبارات، أو اللجوء الى تشغيل العمالة المياومة بمذكرات تشغيل، وحسب حاجة كل مخبز..
أما بالنسبة لنظام الإشراف الذي أثير حوله الكثير من اللغط وحمل أقاويل بعيدة عن الواقع، فإنّ العمل فيه أيضاً يخضع للقانون الأساسي للعاملين في الدولة، ويحقق الغاية والهدف الى جانب نظام الإدارة، والمشرف يتم تعيينه بعقود استخدام مؤقتة وبموجب مسابقة خاصة تعتمد في الأساس على المهارات الفنية المكتسبة والخبرة في مجال تصنيع الرغيف، فالمشرف موظف لدى المؤسسة وخاضع لسلطة القانون والمحاسبة ..
وبالتالي هو توجه الحكومة الجديد نحو تجميع النشاط المتماثل في الإنتاج ضمن جهة واحدة، فكان المرسوم رقم 6 للعام 2020 الذي حمل توقيع إحداث المؤسسة السورية للمخابز محل” الشركة العامة للمخابز ولجنة المخابز الاحتياطية ” بقصد تجميع الجهد والاستفادة من تجارب الجهتين، لتحسين وتطوير صناعة الرغيف وإعطاء مظلة قانونية لعمل لجنة المخابز الاحتياطية، والتي أوضحت كل التساؤلات والاستفسارات حول طبيعة العمل ونظام إدارته ..
شروط الإشراف
وهنا المرسوم أوضح نظام العمل بطريقة الإدارة أو الإشراف، وحدد شروطاً خاصة للمشرف بيّنها “الرفاعي” في عدة نقاط أساسية تطبيقها يلغي الكثير من التشوهات السابقة، منها على سبيل المثال؛ أن يكون المشرف من غير العاملين بالدولة وغير محكوم, ولديه وثيقة خبرة مصدقة من الجمعية الحرفية للخبازة تثبت مزاولته مهنة صناعة الخبز ، وانتقاء المشرف بموجب مسابقة وتحديد الأجر من قبل المؤسسة وفق إنتاجية كل طن، إضافة للمتابعة لهم من قبل المؤسسة وغير ذلك من شروط ينبغي توافرها ..
الرفاعي: نظام الإشراف ينقذ المؤسسة من نقص العمالة وهروب الخبرات
لكن الفقرة الأهم في المرسوم والتي أزالت الكثير من التساؤلات، أحقية المؤسسة في تحويل المخابز من العمل بطريقة الإنتاج بالإشراف إلى نظام الإدارة وبالعكس وفق ما تراه مناسباً للصالح العام، مع تقييم دوري للمشرف ومعاقبته لارتكابه أعمال الغش والتلاعب أو الإضرار بمصلحة المؤسسة وغير ذلك، وهناك تقييم سنوي لعمل المشرف ومن لا يحقق علامة النجاح لا يجدد عقده وخلال عام تم رفض تجديد أكثر من خمسة عقود لمشرفين نتيجة مخالفاتهم العقدية والتشغيلية..
موافقة مسبقة
وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لكونها الجهة الوصائية المباشرة وحسمت بتدخلها المشكلة وأصدرت قرارها بموجب كتابها رقم 2151/1/ص تاريخ 22- 11- 2022 القاضي بعدم تحويل أي مخبز آلي يعمل بنظام الإدارة إلى مخبز يعمل بنظام الإشراف، إلّا بعد عرض الموضوع على الوزارة والحصول على موافقتها، وذلك بعد تقديم الدراسات والأسباب والمبررات الواجبة لذلك، وهنا أكد الرفاعي عدم اتخاذ أي خطوة بهذا الاتجاه، إلّا بموافقة الوزارة محددين الأسباب والحالات الخاصة الموجبة لعملية التحويل، والتي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
تعثر المخبز من الناحية الإنتاجية، وكثرة المخالفات التموينية، النقص الشديد في العمالة لدى مخابز الإدارة عن الملاكات المحددة لها، ولاسيما للوظائف الرئيسة ” أمناء مستودعات– رؤساء ورديات– جباة – رؤساء ورش فنية– عجانين ” ناهيك بعزوف المتقدمين للمسابقات التي تعلن عنها وزارة التنمية الإدارية عن الرغبة بالعمل بالمخابز، في ضوء ظروف العمل الشاقة، والأخطر رفض العاملين الدائمين بالمخابز الاضطلاع بمهام رؤساء الورديات والورش الفنية في ضوء المتابعات الجزائية التي يتعرضون لها نتيجة الضبوط التموينية وغيرها ..
مبررات نظام الإشراف
هذا التغيير يحتاج إلى مبررات تحمل موجبات منطقية تسمح بحرية التغيير من إدارة إلى إشراف، أو العكس لكن حتى تاريخه لم نسمع مخبز إشراف تحول إلى نظام إدارة، بل العكس هو الصحيح لأن هناك مبررات وحاجة ملحة لتغيير العمل في بعض مخابز الإدارة وهذه المبررات حددها الرفاعي بتأكيده أن تشغيل المخابز بنظام الإنتاج بالإشراف مجدٍّ إنتاجياً واقتصادياً، وذلك لعدة أسباب منها: أجرة تصنيع الطن الواحد من الدقيق في المخابز العاملة بنظام الإشراف لا تتعدى 4000 ليرة ، في حين تصل أجرته في نظام الإدارة لأكثر من 22 ألف ليرة والسبب أن تشغيل مخابز الإشراف يحتاج 14 عاملاً بنظام ورديتي عمل، بينما كادر التشغيل في الإدارة يحتاج حوالى 45 عاملاً لورديتي عمل لكونه يتطلب عمالة إنتاجية وكوادر إدارية، ومحاسبية وخدمية وفنية وغير ذلك من قصص التشغيل..
والمبرر الثاني يحمل مضمون أن أغلبية المشرفين لديهم خبرة في إنتاج الرغيف وهم أبناء عوائل وأسر تمتهن صناعة الرغيف، وهذا ما يفسر جودة الخبز واختلافها من الإشراف إلى الإدارة , والأهم في رأي الرفاعي رغبة المواطن في الحصول على الرغيف من مخابز الإشراف لكونها تتمتع بجودة أفضل وتباع بصورة مباشرة من دون تعبئة مسبقة إلى جانب ثقافة تبريد الخبز التي اعتادها المواطن وشكّلت لديه ثقافة استهلاكية أبعدته عن مخابز الإدارة ..
حقائق بالأرقام
ما يعزز التبريرات السابقة هو الفارق في خطوط إنتاج الرغيف بين الإدارة والإشراف، حيث أشار الرفاعي إلى وجود 74 مخبزاً بواقع 117 خطاً إنتاجياً تعمل بنظام الإدارة، مقابل 133 مخبزاً بواقع 142 خطاً إنتاجياً تعمل بنظام الإشراف، وبنسبة إنتاج 51 % في حين أن نسبة الإنتاج في الإدارة لا تتجاوز 49%علما أن مخابز المؤسسة “إشرافاً وإدارة” تنتج 2,8 مليون ربطة خبز يومياً تغطي 51% من حاجة القطر, والبقية يتم تأمينها من خلال المخابز التموينية الخاصة ..
وبالتالي نظام الإشراف ليس استثماراً للمخابز، بل هو أسلوب مرن للتشغيل وفق القانون وبإشراف المؤسسة السورية للمخابز وكامل مسؤوليتها على النظامين، علماً أن المؤسسة تعمل على تطوير النظامين وعدم الاستغناء عنهما لتأمين رغيف خبز جيد للمواطن ..
لكن يبقى نظام الإشراف الأكثر جدوى اقتصادياً حيث تتجاوز نسب التوفير فيه مستوى 80% من مكونات التكلفة وغيرها بدليل أن مخبزاً يعمل بطاقة إنتاجية 10 أطنان يومياً، وفق نظام الإدارة تصل أجرة الإنتاج أكثر من خمسة ملايين ليرة في الشهر، في حين تعطى أجرة الطن الواحد ولنفس الطاقة لمخبز يعمل بنظام الإشراف 3600 ليرة لكل طن، أي أن أجرة ( 10 أطنان) في اليوم 36 ألف ليرة بنظام الإشراف، وخلال الشهر” 26″ يوماً بمبلغ يقدر بحدود 936 ألف ليرة, وهنا الفارق في الأجور كبير جداً..
أمام ذلك لابدّ من اتخاذ إجراءات لتحسين الواقع الإنتاجي والفني للمخابز من دون استثناء حيث تم إنفاق ما يقارب 70 مليار ليرة لتحسين إنتاجية المخابز خلال الفترة القليلة الماضية أنفقت على 100 مخبز من أصل 207 يعملون ضمن دائرة إنتاجية المؤسسة وذلك بالتعاون مع المنظمات الدولية المعنية بشؤون الغذاء والصحة..
مؤكداً الرفاعي استمرار عملية التحديث والتطوير لخطوط الإنتاج في المخابز التابعة للمؤسسة وفق إستراتيجية تنسجم مع حاجة السوق والإمكانات المتوافرة لدى المؤسسة, وبالتالي الاهتمام أكبر باتجاه تطوير خطوط الإنتاج في المخابز التي تعمل بنظام الإدارة وإجراء صيانة وعمرة دورية لبيوت النار وغرف التخمير والانتقال بها إلى النظام الحديث المعمول به في مخابز الإشراف، وتصغير صالات الإنتاج لحصر الحرارة والوصول إلى نوعية موحدة في جميع مخابز المؤسسة “إدارة وإشرافاً” على السواء..
وبالتالي اتباع نظام الإشراف لا يعني الاستغناء عن نظام الإدارة، لأنه الحامل الأقوى لتحمل زيادة الإنتاجية، وتحقيق الغاية الاجتماعية والاقتصادية التي تسعى الحكومة لتوفيرها للمواطن، وخاصة أن رغيف الخبز حاجة يومية للمواطن لا يمكن الاستغناء عنه, و المؤسسة لا تستغني عن أحد النظامين أو أي منهما، لأنهما تكاملية إنتاجية اقتصادية بعائدية واحدة ..