المبدعُ يخضع لقوانين القارئ.. والمعايير تُفرض على الأدب وتقيّده

تشرين- ثناء عليان:
«على تخوم النص الإبداعي» عنوان المحاضرة التي ألقتها الأديبة هناء إسماعيل في اتحاد الكتاب العرب-فرع طرطوس- بينت فيها أن دراسات الأدب تختلف باختلاف الأزمنة التي أنتجته، والتي انبعثت منها نظرياته، مؤكدة أن لكل نظرية ظروفاً رديفة أوصلتها إلى ما هي عليه في الممارسات النقدية، قديماً وحديثاً، لعل منها خصوصية التلقي والاستقبال، كما أن منها خصوصية التجربة الإبداعية لدى كتاب استثنائيين ارتقوا بذائقة القراء إلى آفاق لم تكن من قبل ما استدعى رؤية استثنائية قادرة على مواكبة هذا الإبداع الذي بدوره لم يكن على درجة واحدة بين المشتغلين في حقل الأدب والذين اغتنت بفضلهم مدارس النقد، العين الساهرة على سلامة الأدب.
ولفتت إلى أن أفلاطون عندما وجه انتقاداته الشهيرة إلى الآداب، لم يكن ذلك من قبيل المنطلق الفني والحرص عليه، بل كان حرصاً منه على الآداب العامة التي قد تفسدها صور ومشاهد لا تليق بأخلاقيات الإنسان الذي يسعي إلى كماله.
وأكدت إسماعيل أن ثمة معايير تُفرض على الأدب وتقيده، وثمة اعتراف ضمني لدى بعض المؤلفين، بأنه لا يستطاع تجاوز العين الساهرة /الرقيب الناقد، وتالياً تفرز الآداب، وتصطنع لتكون بمستوى القبول المطلوب، وإلا كان مصير الكتاب/ الأدب مجهولاً، إذ ليس ثمة أدب ما لم يقرأ، وهو أمر تنبهت له مدارس عدة، لعل أبرزها أصحاب نظريتي التلقي والاستقبال.
إن بعض النصوص –حسب إسماعيل- لا يمكن لها في مراحل ما من التاريخ الأدبي أن تتجاوز الأسئلة المتوقعة منها، وتالياً سيخضع المبدع بلا شك لقوانين القارئ الذي يدخل عالم النص محتكماً إلى تحيزاته المسبقة على حد تعبير غدامر أحد أبرز رواد التأويلية الألمانية، وأحكامه التي صاغتها خبراته السابقة مع أعمال متفاوتة في الزمن أو متزامنة معه وفق ذوق جمالي محدد سائد، وهو الأمر الذي رجح كفة النصوص الكلاسيكية على غيرها ردحاً من الزمن، نظراً لما تؤمنه من حال الطمأنينة والأمان لقارئ لا يريد أن ينفتح على ما هو أكثر من تجارب سابقة متراكمة لديه تجعله سريع التفاعل مع نص لن يكون غريباً عنه في المقابل، بل على العكس هو نص واضح بامتياز يشعر قارئه بالرضا.
ولفتت د.اسماعيل إلى أن ثمة دعوة للخروج على المألوف، والانفتاح على التجريب، بما فيه من غرابة وحيل قد تربك القارئ من جانب، لكنها توفر في المقابل له متعة أكبر من اكتشاف ذاته والآخر بشكل يفوق ما يمكن للأنموذج التقليدي أن يقدمه، وهو ما يقود تالياً وعبر العلاقات التخالفية- إلى شعرية جديدة.
كما أشارت إلى أن الفلسفة القديمة دعت إلى فن يحاكي الواقع في مثله العليا لا في نقائصه، بما انسحب على تاريخ الفن بعامة، ولكن هذا لا يعني أن الفن نفسه قد خلا من مشاهد غير لائقة، أو غير مريحة من الوجهة الأخلاقية، في الآداب الغربية بعامة والإسلامية أيضاً.. وفي رأيها ثمة وعيان اثنان حكما التاريخ الجمالي بعامة، يتمثلان في الوعي الإبداعي والوعي النقدي، إذ يبدو لنا وعي الفنان بحساسيته الجمالية أكثر استبصاراً بالواقع من وعي الناقد، الأمر الذي دفعه إلى التقاط الموضوعات المستهجنة على اختلافها، بغض النظر عن كونها مرضية للذوق العام أو مثيرة للاستهجان والرفض، وفي رأيها هذا يعود إلى عدة عوامل منها: أن المبدع أكثر التصاقاً بالتجربة الجمالية من الناقد، والفطرة الجمالية والحساسية الإبداعية التي يتمتع بها لكونه مبدعاً، وغلبة التجربة الانفعالية على التجربة العقلية، لأن استظراف الموضوعات القبيحة هو خاصية انفعالية.
وتختم الأديبة هناء إسماعيل مؤكدة أن الخلاف بين المدارس والاتجاهات والمذاهب، بلغ حداً من الجنوح يثير أسئلة كثيرة حول الآثار المترتبة على اختلاف وجهات نظر النقاد وآرائهم في تكوين الذائقة المعاصرة التي وجدت نفسها في مراحل زمنية متقاربة ومتسارعة أمام متعدد قد يربك استقرارها، وتالياً يفسح المجال لفوضى في الرؤية، وتذبذب في الشخصية النقدية بعامة والأدبية بخاصة، وخير مثال على ذلك ما وصلت إليه التفكيكية من حال القطيعة مع كل ما سلف، إذ هي تدعو إلى بناء معنى خارج النص، لا عن سلطة مؤلفه فحسب، بل عن سلطته نفسه، إذ هو معنى يكمن في علاقات عشوائية للنص، لا تنجذب إلى مركز يضبطه، كما هو الحال مع التأويلية وكذلك المتلقي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
على سيرة إعفاء مدير عام الكابلات... حكايا فساد مريرة في قطاع «خصوصي» لا عام ولا خاص تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية