لاعتبارات مادية ومجتمعية .. دراسة الطب غاية الجميع وبعض الطلاب أُجبروا على الدراسة إرضاءً لأهاليهم
تشرين – دارين جديد:
الرغبة في الوصول إلى أعلى الفروع الجامعية حالة ليست بجديدة، لكن اختلفت من حيث الكم والنوع، فسابقاً كان دخول كلية الطب أمراً صعباً جداً، وقلة قليلة من الطلاب من يستطيعون ذلك، أما اليوم ، ومع وجود علامات كاملة في الشهادة الثانوية وارتفاع عدد الطلاب الذين يحصلون على معدلات جيدة نتيجة الدروس الخصوصية، إضافة لوجود الجامعات الخاصة، ساعد ذلك على دخول شريحة لا بأس بها من الطلاب الفروع الطبية.
أعداد بازدياد
وصلت أعداد الطلاب المسجلين في كلية الطب البشري بجامعة طرطوس عام 2018 إلى 1836 طالباً وفي عام 2020 إلى 2079 طالباً، أما في العام 2023 فأصبح 2145 طالباً وطالبة، حيث أوضح الدكتور محمود دلول عميد كلية الطب البشري في جامعة طرطوس أنّ أعداد الطلاب المقبولين في كلية الطب البشري يزداد باطراد سنوياً، و يتعلق ذلك بالمفاضلة وشروطها وزيادة نسب الطلاب المقبولين في التعليم الموازي و أبناء ذوي الشهداء وخريجي المعاهد الصحية وكليات التمريض.
دلول: المقبولون في كلية الطب بجامعة طرطوس في ارتفاع مستمر سنوياً
أما فيما يتعلق بالجامعات الخاصة وأثرها على وتيرة الزيادة السنوية لأعداد طلاب الطب في جامعة طرطوس، فلفت الدكتور دلول إلى أن الإحصاءات تشير إلى أن الزيادة في أعداد طلاب التحضيرية في الجامعات العامة بقي مرتفعاً، لأن إمكانية الدراسة في الجامعات الخاصة ليست متاحة إلّا لشريحة محدودة من أبناء المجتمع، و الأغلبية العظمى من الأهل غير قادرين على تأمين النفقات اللازمة لتدريس أبنائهم.
رغبة أم إجبار؟
يلعب الأهل دوراً مفصلياً في ترغيب أولادهم لدخول مهنة الطب، لكونها مهنة إنسانية، وذات مستقبل أفضل مقارنة بغيرها من المهن ، حتى أصبح حلم الوصول إلى الطب غاية مرجوة، والجميع يسعى للحصول عليه، حتى وإن اضطر بعض الأهل إلى اتخاذ القرار عن أولادهم أو إقناعهم.
محمد سلامي طالب طب بشري أكد لـ “تشرين”: حصلت على علامة الطب في الثانوية العامة، و كنت أرغب بدراسة هندسة العمارة لكوني أحب الرسم كثيراً، لكن أهلي أقنعوني بدراسة الطب لأن مستقبله أفضل وفرصه لا تعوض ودراسة العمارة مكلفة أكثر.
أما الطالبة لجين حسن، فأشارت إلى أن علاماتها في الشهادة الثانوية أهّلتها لدراسة الفروع الطبية، لكنها لم تكن رغبتها الأولى، بل كانت الفيزياء بفروعها، إلّا أنها تحت ضغط الأهل واحتراماً لرغبتهم اتخذت القرار” مجبرة ” بدراسة هذا الفرع.
دوافع دراسة الطب
يعدّ العامل المادي والمكانة الاجتماعية، التي يحظى بها الأطباء في المجتمع، من أهم الأسباب التي تدفع الكثيرين إلى دراسة المجالات الطبية، إضافة للعادات والتقاليد التي تلعب دوراً كبيراً في ذلك، فوجود طبيب في العائلة يعدّ قدوة ومثلاً يحتذى به، لا بل إنّ البعض من الأهالي يرون دراسة أولادهم الطب تحقيقاً لأحلامهم التي لم تكتمل.
ضرورة مجتمعية
المجتمع بحاجة إلى أفراده على اختلاف مستوياتهم ومجالاتهم، حتى ينمو و يزدهر، فعندما يدخل الطالب المجال الذي يحبّ يصبح مبدعاً وناجحاً و هذا ما أكدته الطالبة لجين حسن، فهي غير نادمة على دراسة الطب، لكن لو عاد بها الزمن للوراء لن تقدم على دراسة هذا الفرع مجدداً، ليس لأجل معلوماته أو فائدته، لكن لحجم الضغوط الدراسية والنفسية، وكانت ستختار حتماً الفيزياء أو أحد الفروع الفنية الموسيقية أو الرياضية.
في المقلب الآخر و رغم حصول الطالب أنس عبد الله في الشهادة الثانوية على درجة تؤهله دراسة الطب، لكنه اختار دراسة الهندسة المعلوماتية، وفي حديثه لـ”تشرين” أكد ضرورة دخول الطالب الفرع الذي يحبه، كي يبدع وينجح به ويتحمل المسؤولية ويضيف: دخلت المعلوماتية، بالرغم من الصعوبات، وتأقلمت معها وحصلت على المرتبة الأولى بسبب حبي لهذا المجال ودعم ووقوف أهلي إلى جانبي.
المعيار الوحيد
الدكتورة ريم سليمون، أستاذة في كلية التربية بجامعة طرطوس، بيّنت أن الدرجات هي المعيار الوحيد اليوم لدخول الكليات الطبية، والتي تعدّ راقية، بينما تختلف المعايير في جميع الدول الأخرى، والتي لا تضع الطب والهندسة في المقدمة، بل تضع الرياضيات والفيزياء، وهما أساس تطور العلوم في المقدمة.
وأشارت د. سليمون إلى أنّ الكثير من الطلاب يدخلون الكليات الطبية وليست رغبتهم، وتدفن مقدراتهم بهذه الكليات، وفيما بعد لا ينجحون بمهنتهم الطبية.
ولفتت إلى ضرورة وجود اختبار الميول والقدرات العقلية بما يلائم هذا الطالب ، وما هي المخرجات التي تناسبه وتضعه في المكان المناسب.
أخيراً : تبقى رغبة الطالب وقبولها من قبل الأهل، هي الأساس في نجاحه بالمهنة التي سيمارسها في المستقبل، فلندع أبناءنا يختارون ما يحبون، و لا نجعل منهم جيلاً فاشلاً فقط من أجل التباهي بأنهم أطباء، وعلى الجهات المعنية الوصول إلى صيغة صحيحة ودراسة معمّقة تراعي الميول والقدرات ومخرجات سوق العمل.