انتخابات تركية بأبعاد إقليمية دولية أياً كان الفائز
تشرين – هبا علي أحمد:
بين الداخل والخارج تقع تجاذبات الانتخابات التركية ورغم انطلاق عمليات التصويت وما سبقها من استطلاعات رأي أحدها يرجح الكفة للرئيس الحالي، مرشح «تحالف الجمهور» رجب أردوغان والآخر لمرشح المعارضة «تحالف الأمة» كمال كليتشدار أوغلو، وأحدها يقول بالحسم من الجولة الأولى والآخر يرجح جولة ثانية، مع ذلك تبقى تركيا حبيسة أنفاسها رغم تقدم اليوم الانتخابي وما يشهده مع ترقب وتوقعات لكن الحسم يكمن في لحظة الإعلان عن النتيجة.
تجاذبات الانتخابات التركية بين الداخل والخارج
يمكن القول إنّ الانتخابات ليست تركية فحسب، بل دولية إقليمية، من هنا كانت حاسمة ونوعية ومغايرة لغيرها من الانتخابات، وعاملا النوعية والمغايرة فرضهما النهج السابق لأردوغان أضيف إليها توجهات أوغلو في حال الحسم لصالحه، لذلك من الضروري أن يسود الترقب إقليمياً ودولياً ولاسيما من جهة الغرب الذي يريد إعادة «ترويض» أردوغان في حال فوزه وإبعاده عن التوجه شرقاً، لذلك تجمع التحليلات وتتفق أن نتائج الاستحقاق الرئاسي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجغرافيا السياسية لتركيا وموقعها المستقبلي في التوازنات الدولية المتغيرة، ولاسيما أن أنقرة عضو فاعل ومهم في حلف شمال الأطلسي «ناتو»، وأردوغان الذي اعتاد اللعب على المتناقضات على ما يبدو أنه يريد الاستمرار على النهج ذاته، في حال فوزه، بمعنى السعي للموازنة بين علاقاته مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبين روسيا والصين، على وجه التحديد.
أهم نقطة في السجالات الانتخابية كانت سورية، ومسار التطبيع السوري- التركي برعاية روسية- إيرانية، لكن كل ما سبق من تصريحات ولاسيما أن نعاني من استمرار الاحتلال التركي، لا يمكن فهمها وربطها إلّا في سياق العملية الانتخابية، سواء لجهة أردوغان أو لجهة كليتشدار أوغلو، فالحسم بالنسبة لملف التقارب يبقى مرتبطاً بتنفيذ الاستحقاقات السورية الوطنية، أي أن حسم النتيجة الانتخابية في الداخل السوري هو ما بعد النتيجة، ومدى قدرة أردوغان في حال فوزه على الاستجابة للدعوة الروسية حول خريطة طريق لتطبيع العلاقات السورية التركية، هذه الخريطة بالنسبة لدمشق أهم نقطة فيها انسحاب التركي من الأراضي التي يحتلها في الشمال السوري، والأمر سيان في حال فوز أوغلو والأكثر من ذلك أنه في حال فوز أردوغان لا يعني أن المعركة انتهت هنا بل فوزه سيضعه على المحك لتبيان النيات تجاه سورية.
النتيجة الحاسمة تكون مابعد النتيجة وللترقب والانتظار هو سيد المرحلة المقبلة
النقطة الآخرى التي كانت حاضرة في السباق الانتخابي العلاقة مع روسيا والغرب.. بما يخص موسكو فالواضح أن تصريحات أردوغان ومنافسه كليتشدار أوغلو، موقفان مختلفان تجاه روسيا، ففي حين أكد أردوغان في أكثر من مناسبة أهمية العلاقات التركية-الروسية، من جانبه صرّح كليتشدار أوغلو بأن الاختبارات الجديدة في العلاقات بين موسكو وأنقرة في حالة فوزه غير مرجحة، ووصف روسيا بأنها «شريك عند الحاجة»، كما أشار إلى وجود خلافات، معلناً أنه يعتزم إلغاء تجميد المفاوضات بشأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في حال الفوز.
ويصف الخبراء أوغلو بالمرشح الموالي للغرب، ويقول البعض إنه إذا فاز أردوغان، فقد ينظم الغرب احتجاجات وفقاً لـ «السيناريو البيلاروسي».
وبخصوص التعاون الاقتصادي مع روسيا، قال كليتشدار أوغلو إنه ينبغي دعمه، لكنه أعرب عن مخاوفه بشأن الاعتماد على الطاقة، وأشار حزبه في بيان إلى الحاجة إلى مراجعة مشروع محطة أكويو للطاقة النووية، التي تقوم روسيا ببنائها.
وفي الشأن الأوكراني تحدث كلاهما عن الحاجة إلى حلّ النزاع وتمديد صفقة الحبوب، وأكد كلاهما أنهما يؤيدان وحدة أراضي أوكرانيا، وفيما يتعلق بالعقوبات، لم تنضم تركيا برئاسة أردوغان إلى العقوبات الغربية، ومن غير المرجح أن يحدث ذلك في عهد كليتشدار أوغلو أيضاً في حال فوزه، والذي أكد أنه يدعم بشكل لا لبس فيه عقوبات الأمم المتحدة، وبقية العقوبات تعتمد على مصالح تركيا.
المتوقع أن يتعامل الغرب مع الفائز أياً كان.. انطلاقاً من أهمية تركيا الجيوستراتيجية، والجيوسياسية
رغم ذلك يرى محللون أن للبلدين مصلحة مشتركة في الحفاظ على المستوى الحالي من العلاقات أياً كان الفائز، إذ تعتمد روسيا على تركيا كدولة عبور حيوية لصادرات الغاز، كما يتمتع البلدان بتحالف اقتصادي قوي في قطاع الطاقة.
بالنسبة للغرب، وبغض النضر عن التصريحات والتوجهات، فالمتوقع أن يتعامل الغرب مع الفائز أياً كان أيضاً، انطلاقاً من أهمية تركيا الجيوستراتيجية، والجيوسياسية، إضافة إلى الأهمية الاقتصادية، فالتعامل هنا يكون مع دولة وليس مع شخص، وأشار محللون إلى أن الغرب ينظر إلى تركيا على أنها اقتصاد رئيسي، وقوة إقليمية كبيرة يحسب لها الحساب على أعتاب أوروبا.
بناء على ما سبق، فإنّ النتيجة الحاسمة تكون ما بعد النتيجة لذلك فالترقب والانتظار هما سيّدا المرحلة المقبلة وليس اليوم فقط.
وفتحت مكاتب الاقتراع أبوابها اليوم الأحد، وانطلقت عمليات التصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في جميع أنحاء تركيا.
وسيصوت الأتراك في أكثر من 191 ألف صندوق اقتراع في جميع أنحاء البلاد لانتخاب رئيس جديد للبلاد لمدة 5 سنوات، واختيار أعضاء البرلمان، وسيدلي في الانتخابات 60 مليوناً و697 ألفاً 843 ناخباً بأصواتهم، منهم 4 ملايين 904 آلاف ناخب سيصوتون لأول مرة.
واتخذت الهيئة العليا للانتخابات التركية، تدابير مختلفة في الولايات الـ11 المتضررة من الزلزال الذي تعرضت له في 6 شباط الماضي، لإجراء الانتخابات بشكل سليم في مراكز مسبقة الصنع مخصصة لذلك.
يُشار إلى أنه من أبرز التحالفات في الانتخابات هذه المرة، تحالف الشعب «الجمهور»، وهو تحالف تشكل بين حزب العدالة والتنمية «الحاكم» وحزب الحركة القومية عام 2018، عقب انقلاب 2016 الفاشل، وتشكل وقتها لخوض انتخابات 24 حزيران 2018، ونجح فيها بأغلبية مقاعد البرلمان ومقعد الرئاسة، ويحكم من وقتها، ويضم التحالف حالياً أيضاً حزب الرفاه الجديد، بينما أعلن حزب «الاتحاد الكبير» دعمه للتحالف من دون الانضمام إليه رسمياً.
وفي مواجهة هذا التحالف يأتي «تحالف الأمة» المعارض الذي تم تشكيله خلال الانتخابات الأخيرة بين حزب الشعب الجمهوري وحزب الخير وحزب السعادة والحزب الديمقراطي، وانضم إليه بعد ذلك حزبا المستقبل بزعامة أحمد داود أوغلو، والديمقراطية والتقدم بزعامة علي باباجان، ويسعى التحالف إلى الفوز في الانتخابات ووضع حدٍّ لحكم حزب العدالة والتنمية الذي استمر منذ عام 2002.
وهناك أيضاً «تحالف الأجداد»، ويضم أحزاباً يمينية ويشمل «حزب الظفر، حزب القويم، حزب العدالة، وحزب دولتي»، وتم الإعلان عن سنان أوجان كمرشح رئاسي للتحالف. ويعارض التحالف وجود المهاجرين غير النظاميين والأجانب، في تركيا، وأعلن أن أجندته تتمحور حول ترحيل الأجانب.