وزادَ في الطنبورِ نغماَ
قبل أن أقرأ سيرة الثائر الشعبي «أبو علي شاهين» (سيغاتا – مصياف)، تلك الشخصية التي دخلت في بنية الكثير من الأغاني الشعبية، وألهمت العديد من الشعراء والروائيين، وكتّاب الدراما من سينما ومسرح بما أبدعوه.. كنت أتخيله من ناحية الشكل لا يقلُّ عن تخيلي لملامح (الزير سالم)، قبل أن تُختزل وتُكثف صورة الزير بملامح الفنان سلوم حداد، أو على الأقل كشخصية الفنان أديب قدورة الذي جسّد شخصيته في فيلم (الفهد)، والمأخوذة عن رواية لحيدر حيدر بالاسم ذاته.. لكن بعد بحثي الطويل عن هذه الشخصية، كانت المفاجأة حد الدهشة: رجلٌ نحيفٌ، خفيف الشعر من جهة الجبهة، ولا يتجاوز طوله الـ(166) سنتمتراً..
أتذكر البطل الشعبي «أبو علي شاهين»، وأنا أبحث في سيرة أمير البزق السوري محمد عبد الكريم (1911 و1989)، الذي سجّل هو الآخر أسطورته بجسدٍ وقف نموه إثر حادثٍ وقعَ له في الصغر عند (الثمانية والتسعين سنتمتراً)، ثمّ لتكتمل قامة الرجلين سمواً، الأول بفروسيته التي لا تلين، والثاني بما صنعه من آلةٍ كانت مغمورة، أو قل كانت (طنبوراً) فحسب، ومن ثمّ بما أضافه إليها حتى أمست (البزق) الذي نعرفه اليوم، فعلى هذه الآلة اشتغل أجمل إبداعاته الموسيقية التي توزعت – حسبما يجمع عليه متابعوه- على أربعة مستوياتٍ تمثّل الأول في ابتكاره مقاماً موسيقياً جديداً أطلق عليه اسم (المريوما).. والثاني بإجرائه تعديلاً على آلة البزق فزاد عدد حبساته على الزند من 17 حبسة إلى 38 حبسة، كما أضاف إليه وترين مزدوجين، ما زاد طاقة هذه الآلة.. بينما تمثّل المستوى الثالث في التأليف الموسيقي، إذ أبدع السماعيات واللونغايات في مقامات موسيقية مختلفة، ووضع مقطوعات موسيقية زاد عددها على عشرين مقطوعة.. وتمثّل المستوى الرابع بألحانه لما يزيد عن مئة أغنية.. ويُحكى في مدونته الشخصية أنّه كان أوّل من أدخل «التانغو» و«السيراناد» على البزق.. وأكادُ أجزم أنّ آلة البزق لم تكن معروفة قبل أن يظهر هذا الرجل ليُضيف لـ(الطنبور) الآلة الأم لـ(البزق) ما يزيدُ في الأول نغماً، وليصير ندّاً لمختلف الآلات الموسيقية.. وحكايات تحدي محمد الكريم للعازفين وللفرق الموسيقية حكايات تُروى بالكثير من الفخار والإبداع الذي يصل حد الإعجاز، وهو ما دفع بموسيقار بقامة محمد عبد الوهاب لأن يصفه بـ«إذا كانت الموسيقا الغربية تفتخر بباغانيني كأشهر عازف للكمان، فإن الموسيقا الشرقية تفتخر بمحمد عبد الكريم كأشهر عازف للبزق»، وأختم مع هذا (الهامش) الذي صدحت به نجاح سلام من كلماته وألحانه..
هامش:
رقة حسنك وسمارك.. تقوليلي جاييه منين
خـفّة دمك ده شــعارك.. والمعنى في رموش العين
يا محلى الروح يا سمرة
بأوتاري يا ما ســلّيتك.. واســــمعك من وحي الله
و بلحــني يا ما حاكيتك.. ما منك غير نغــمة آه
يا محلى الروح يا سمرة
عاشرت كتير قبلك ما رأيت.. حــدّ بيتكــلم في عينيه
أنا .. بس إنتي يا ريت.. أنا محتار حاقولّـك إيه
أحبّ فيكي اللي رأيته.. ولو إنه كان أول نظرة
فهمته وبقلبي قريته .. يا سمرة محلاكي يا سمرة