العملات السامّة والتنمية قبل انعقاد القمة العربية؟

أطلق البنك المركزي الروسي منذ سنوات  مصطلح جديد في علم الاقتصاد وهو ( العملات السامة )!، وتوسع ويتوسع استخدام هذا المصطلح كثيراً بدءاً من سنة/  2023/، ويقصد بذلك [ العملات الغربية وخاصة الدولار لقهر الشعوب من عقوبات  واستخدام المنظومة المالية سويفت SWIFT لتحقيق ذلك]، وعمليا قام البنك المركزي الروسي بترسيخ الاعتماد على (العملات الصديقة) بدل السامة، وتعاطفت أغلب دول العالم مع النهج الروسي وخاصة بعد المشاكل الكبيرة التي تعانيها أمريكا ولا سيما أنها أكبر دولة مدينة في العالم ودينها الكلي يتجاوز ناتجها الإجمالي بأكثر من /125%/ !، وقد بدأت الصراعات بين الحزبين ( الديمقراطي والجمهوري) لتحديد سقف الدين الأمريكي العام !، وهذا لا يساعدها لتستخدم عملتها في التسويات الدولية، وعمليا انخفض حجم تداول الدولار ولأول مرة من سنوات مقابل الروبل في روسيا  منذ بداية سنة /2023/ إلى أقل من /36%/ من قيمة التجارة الخارجية الروسية، وترافق هذا مع دعوة روسيا للاعتماد على (العملات الصديقة بدل السامة) مثل [ اليوان الصيني والروبية الهندية والريال الإيراني …إلخ ] ، وتؤكد المعلومات أن التعامل بالعملات السامة في روسيا  تراجع سنة /2022/ من /65%/ إلى /46%/ مقابل ارتفاع حصة العملة الصينية من /4%/ إلى /23%/ ، وسيزداد صراع العملات في السوق الروسية التي لها دور عالمي كبير في ظل التحولات الدولية التي نشهدها وخاصة حاجة العالم للمنتجات الروسية من غاز ونفط  وقمح و صويا وزيوت وأسلحة وغيرها، وحتى شهر آذار بلغ حجم التعامل الروسي بالعملة الصينية بحدود /18%/ في هيكل الواردات و /27%/ في هيكل الصادرات أي تراجع حجم الاعتماد على العملات السامة وزيادة الاعتماد على العملات الصديقة، وتخطط الآن روسيا لتسويق صادراتها وتعاملاتها اليومية وحركة بورصتها  بالعملات الصديقة لأكثر من /50%/ خلال سنة /2023/ للوصول إلى ادنى حد ممكن في السنوات القادمة، والسؤال الاقتصادي هل تستطيع روسيا أن تؤمن احتياجاتها من  الدول الصديقة وبعملاتها؟، وهل تضحي الصين بعلاقتها الاقتصادية مع أمريكا ليتحول اليوان الصيني إلى داعم حقيقي للروبل الروسي؟ ، وتؤكد بيانات البنك المركزي الروسي أن المصدرين الروس زادت صادراتهم باليوان من/0،5/ مليار  إلى حدود /7/ مليارات شهريا أي حوالي /14/ ضعفا، كما زاد المستوردون الروس تعاملاتهم من /1،4/ مليار إلى حدود /8/ مليارات يوان أي حوالي خمسة /5/ أضعاف، أي إن تعامل الاقتصاد الروسي بالعملات السامة أصبح سالبا، وهذا ليس لمصلحة الغرب وكأن العقوبات ارتدت على من فرضها، وإن الاعتماد على اليوان الصيني يزداد من شهر لآخر في مختلف التسويات التجارية الروسية، ويؤيد هذا التوجه أن أغلب دول العالم التي يشكل اقتصادها أكثر من /65%/ من الاقتصاد العالمي تريد التخلص من سيطرة الدولار وخاصة (منظمة شنغهاي ومجموعة بريكس ودول سيلاك في أمريكا اللاتينية وفي القارة الإفريقيةِ ودول مجلس التعاون الخليجي وإيران) وغيرها، وقد أكدت وكالة ( بلومبيرغ) الألمانية دقة هذه التوجهات وأنه يوجد تحول هيكلي كبير في الاقتصاد الروسي الذي يعمق علاقاته أفقيا وعموديا مع الاقتصاديات الصديقة وعملاتها مثل

(الروبية الهندية والريال الإيراني والبرازيلي والراند في جنوب إفريقيا …الخ )، وإضافة إلى ما سبق قام البنك المركزي الروسي بتحويل أكثر من نصف احتياطياته النقدية الدولية إلى ( الذهب واليوان ) كخطوة مباشرة بعد أن قامت الشركات الغربية بترك السوق الروسية وحلت محلها مباشرة من تتعامل بالعملات الصديقة وخاصة مع  الصين، وتزداد مخاطر العملات السامة وبما يدعم الموقف الروسي أنها هي عملة الديون العالمية وخاصة ( الديون السامة ) وهي الديون المشكوك في تحصيلها لسبب من الأسباب، فحسب صحيفة ( نيويورك تايمز) الأمريكية إن هذه الديون تجاوزت المتوقع وأعطت مثالا عن ذلك أنها بلغت في الصين حوالي /5000/ مليار دولار ، وهذا سيترك آثارها السلبية على الاقتصاد العالمي، لأنها جزء أساسي من (الأصول المسمومة) وهي الأصول المرهونة لمديونيات متعثرة يصعب سدادها وأكثرها في أمريكا، وقيمتها في حال تحصيلها أقل بكثير من قيمتها الحقيقية، ومن هنا شبهها البعض ( بالسمّ ) بالنسبة للإنسان والذي يؤدي الى الموت، وهذه الأصول ستؤدي إلى (موت) الكثير من المنشآت والمؤسسات الاقتصادية بسبب أن التزاماتها أكبر من مطالبها ما سيقلل من قدرة الجهاز المالي العالمي على ضخ الأموال إلى القطاعات الاقتصادية، وستنتشر قريبا ظاهرة (بيع الديون) وتتحول الديون عندها سلعة مغشوشة.

وهنا أغتنم الفرصة ونحن على أبواب انعقاد القمة العربية في السعودية بتاريخ 19/5/2023 لأدعو المؤسسات النقدية والصناديق السيادية والمصارف المركزية ومنها سورية بأن تبتعد عن العملات والديون والأصول السامة، وأن تحول احتياطاتها النقدية إلى عملات واستثمارات آمنة في المنطقة العربية كخطوة أولى لتحقيق التنمية العربية.. نتمنى ذلك.

 

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية مؤتمر "كوب 29" يعكس عدم التوازن في الأولويات العالمية.. 300 مليار دولار.. تعهدات بمواجهة تغير المناخ تقل عن مشتريات مستحضرات التجميل ميدان حاكم سيلزم «إسرائيل» بالتفاوض على قاعدة «لبنان هنا ليبقى».. بوريل في ‏بيروت بمهمة أوروبية أم إسرائيلية؟ إنجاز طبي مذهل.. عملية زرع رئتين بتقنية الروبوت مركز المصالحة الروسي يُقدم مساعدات طبيّة وصحيّة لمصلحة المركز الصحي في حطلة القوات الروسية تحسن تموضعها على عدة محاور.. وبيسكوف: المواجهة الحالية يثيرها الغرب