اجتماع موسكو الرباعي الوزاري.. رؤية سوريّة ترسم ملامح «صيغة جديدة مختلفة» في مسار التقارب مع تركيا

تشرين – مها سلطان:
لا شك بأن الاجتماع الرباعي الذي عقد في موسكو أمس الأربعاء على مستوى وزراء الخارجية شكّل نقلة «إيجابية» مهمة وواسعة في مسار التقارب السوري- التركي، ولا شك أيضاً بأنه كان لروسيا وإيران دور، لكن القيادة السورية تبقى في النهاية هي صاحبة هذه النقلة لناحية التوقيت والهدف، ولا بد أن لديها من الدوافع ما يكفي للمضي خطوة جديدة، وربما- القيادة السورية- ترى أنها باتت خطوة ضرورية في سياق «سلة تطورات» تشهدها المنطقة، وفي ظل وجود طرفين أساسيين، روسيا وإيران، وهما حليفان رئيسيان لسورية.

رباعي موسكو و«نقلة نوعية» تحسب للدولة السورية..

و«المسألة الاقتصادية» كانت هي الأمر المستجد واللافت وغير المتوقع

لا شك أيضاً بأن هذا الاجتماع تجاوز التوقعات التي لم تصل في مداها إلى مسألة أن ينتهي إلى التوافق على «خريطة طريق».. وإلى مسألة أخرى لم يتم التطرق إليها ولا في أي وقت، لا توقعات ولا تسريبات، ولا حتى كإشارات صدرت من الدول المعنية، ونقصد هنا «المسألة الاقتصادية» التي طرحها الجانب الروسي على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف، ويبدو أن الاتجاه سيتركز في المرحلة المقبلة على أن تسير المسألتان معاً، على اعتبار أن الاقتصاد يمكن أن يساعد ويوسع إطار «بابٍ فُتح» في المسار السياسي خلال اجتماع أمس، ويبدو أن هناك تعويلاً كبيراً، خصوصاً من روسيا وإيران، على أن تكون «خريطة الطريق» التي تم التوافق عليها هي فعلياً مفتاح حلحلة القضايا بين سورية وتركيا، وعلى رأسها ما تطالب به سورية كاستحقاقات وطنية سيادية لها، بانسحاب تركيا الكامل من الأراضي التي تحتلها، ووقف دعمها للفصائل المسلحة، والتعاون في مجال أمن الحدود واللاجئين، وقضايا أخرى كالمياه.
وحسب وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو أنه «تم الاتفاق على الإعداد المرحلي لخريطة الطريق لذلك سيتم تشكيل لجنة خاصة ستبدأ العمل في المستقبل القريب»، مشيراً إلى أن هذا العمل سيتم على مستوى نواب وزراء الخارجية والدفاع وممثلي الهيئات الأمنية.
وقال تشاويش أوغلو إنه أكد خلال الاجتماع الذي وصفه بالبنّاء «التزام تركيا بوحدة أراضي سورية والنهج المشترك في مكافحة الإرهاب وأهمية التسوية السياسية».

يبدو أن سورية كان لديها من «الدوافع» ما يكفي للمضي خطوة جديدة

وربما رأت أنها باتت خطوة ضرورية في سياق «سلة التطورات» التي تشهدها المنطقة

القيادة السورية أبدت انفتاحاً يُحسب لها، وزير الخارجية فيصل المقداد أكد أن «سورية مستعدة للانخراط بشكل منفتح وبنّاء انطلاقاً من قناعتها الدائمة بأن الحوار والنقاش هما السبيل الأفضل للوصول للأهداف المرجوة».. وتحدث المقداد عن «صيغة جديدة مختلفة» تأمل سورية بأن «تكون أكثر ديناميكية»، معتبراً أن هناك «فرصة سانحة للعمل بشكل مشترك رغم كل سلبيات السنوات الماضية»، وقال: نحن بالطبع نريد طي صفحة الماضي ونتطلع إلى المستقبل في علاقاتنا مع الدول لكن بما يحفظ حق الشعب السوري ومصالحه الوطنية التي لا يمكن التنازل عنها أو المساومة عليها».
على هذه الرؤية، ترسم سورية ملامح «النقلة» في مسار التقارب مع تركيا.. وإذا ما تم التوافق على «خريطة طريق» لتكون مفتاحاً لحلحلة القضايا المعلقة، والانتقال «من دائرة القول إلى دائرة الفعل» فإن سورية أصرت على أن تكون متوافقة مع «خريطتها» الوطنية والسيادية التي تتركز كما ذكر المقداد على المبادئ التالية:
– الالتزام الحقيقي والكامل بسيادة سورية واستقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها أرضاً وشعباً.
– الإقرار بوجوب خروج كل القوات الأجنبية غير الشرعية بما فيها التركية.
– محاربة التنظيمات الإرهابية على الأراضي السورية والقضاء عليها بمختلف مسمياتها.
– رفض كل المشاريع والأجندات الانفصالية مهما كان شكلها والعمل على مواجهتها.
– التعاون والتنسيق المشترك هما السبيل لمعالجة المشاغل الأمنية وضبط الحدود وتحقيق الأمن والاستقرار المستدام على المناطق الحدودية بين سورية وتركيا واستبعاد أي أحادية غير شرعية.

هناك تعويل كبير على أن يكون اجتماع موسكو الرباعي الوزاري قد وضع مسار التقارب

على طريق بدء التنفيذ ما دامت تركيا بدأت تتعامل مع مطالب سورية كاستحقاقات وطنية سيادية

أما ما يخص «المسألة الاقتصادية» فقد كانت هي الأمر المستجد واللافت، وغير المتوقع، وحسب اقتراح روسيا الذي عرضه لافروف خلال الاجتماع الرباعي، فإن هذه المسألة تقوم على «استعادة طرق النقل والخدمات اللوجستية بين سورية وتركيا» قائلاً: من المهم البدء بمناقشة مسألة استعادة طرق النقل واللوجستيات المقطوعة واستئناف التعاون التجاري والاقتصادي من دون أي عقبات، مؤكداً أن تطبيع العلاقات بين سورية وتركيا سيكون له تأثير إيجابي في المنطقة.
وحتى يتضح المزيد حول هذه المسألة الاقتصادية فإن الاجتماع الرباعي على مستوى وزراء الخارجية اكتسب أهمية من جملة أسباب تُضاف إلى ما سبق ويمكن اجمالها كالتالي:
– أول لقاء سياسي بعد 12 عاماً من القطيعة وأول لقاء مباشر بين وزيري خارجية سورية وتركيا.
– يفتح الطريق للقاءات سياسية أخرى تدفع باتجاه لقاء قمة على أعلى مستوى، لكن ليس من المعتقد أن يكون خلال الأيام المتبقية ما قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في تركيا الأحد المقبل.. فهذه مسألة تحتاج للكثير من العمل والتحضيرات عدا كونها مرتبطة بنتائج الانتخابات التركية ومن يفوز فيها، حيث إنه حتى الآن لا تزال احتمالات الفوز شبه متساوية بين تحالف الرئيس رجب أردوغان وتحالف المعارضة، وقد يحتاج الأمر إلى جولة ثانية لحسم هوية الفائز فيها.
– لا شك بأن هذه النقلة سيكون لها وقعُها، أو لنقل مكانتها في سياق التطورات التي تشهدها المنطقة عموماً، والعلاقات السورية- العربية خصوصاً.. وهناك من يتحدث عن أن هذه التطورات هي بدورها أثرت في مسار التقارب السوري- التركي، إذ إن لانحسار النفوذ الأميركي على أطراف معينة في المنطقة، وعدم قدرة الولايات المتحدة الأميركية على فرض إملاءاتها وشروطها كان له دور كبير، ليس في هذا المسار فقط، بل في مجمل ما تشهده المنطقة من تغيرات وتحولات.
– ما أظهره الاجتماع من «انفتاح» أبدته سورية بناء على ما أظهره الجانب التركي من تطور لمواقفه حيال ما تطلبه سورية والتعامل معها كاستحقاقات سيادية وطنية.
في كل الأحوال، يبقى كل ما سبق، ويبقى ذلك التفاؤل، نوعاً ما الذي بثه هذا الاجتماع الرباعي.. مرتبطاً بتطورات الأيام المقبلة وباتجاهين: أولاً خريطة الطريق التوافقية وما ستضمنه من بنود تنفيذية وجدول زمني. وثانياً المسألة الاقتصادية وما إذا كنا سنرى ترجمة لها قريباً وبصورة غير مشروطة بانتظار التقدم على المستوى السياسي.. وبغضّ النظر عمن سيفوز في الانتخابات التركية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية مؤتمر "كوب 29" يعكس عدم التوازن في الأولويات العالمية.. 300 مليار دولار.. تعهدات بمواجهة تغير المناخ تقل عن مشتريات مستحضرات التجميل ميدان حاكم سيلزم «إسرائيل» بالتفاوض على قاعدة «لبنان هنا ليبقى».. بوريل في ‏بيروت بمهمة أوروبية أم إسرائيلية؟ إنجاز طبي مذهل.. عملية زرع رئتين بتقنية الروبوت مركز المصالحة الروسي يُقدم مساعدات طبيّة وصحيّة لمصلحة المركز الصحي في حطلة القوات الروسية تحسن تموضعها على عدة محاور.. وبيسكوف: المواجهة الحالية يثيرها الغرب