لم تكن الروضة موضة تعلّم ولا ثقافة منتشرة بين الأهل أيام زمان إلّا أنني حظيت من دون إخوتي بشرف دخول الروضة، وصرت أدرغل خمس ست كلمات بالإنكليزي درغلة، وصلت بوالديّ للافتخار بي حد “الفشخرة” أمام الجيران والأقارب، ويوم اصطحبني خالي معه للقرية وأنا ابنة الست سنوات كان يوماً مميزاً من أيام حياتي وخاصة بعد أن هللت لرؤية الأبقار الراجعة من المراعي بجملة “ها قد رجعت (كاواات) بيت جدي”… ليكون الإنجاز على حدّ زعم أهل البيت وضيوفه، والذي لم يقتصر على معرفتي للفظة البقرة بالإنكليزي بل تعداها لأقوم بجمعها بثقة العارف والفنان..
“فشخرة” أيام زمان وبالتحديد المرحلة الانتقالية ما بين الأسود والأبيض كانت” فشخرة” خجولة إذا ما قورنت بملون أيامنا اليوم الذي تعدى (التلفاز) لتلفزيون مطور(الموبايل) يحمله بيده الشاب والطفل والختيار.. ومن عالم افتراضي له ما له وعليه ما عليه من إيجابيات وسلبيات صار بالإمكان فتح قناة خاصة بالعميل/ الزبون ويكون فيها المذيع ومعد برامج في آن.. وصار أيضاً يملك صك ملكية لجدار في عالم الافتراض يثبت عليه حبل غسيل لزوم النشر والقص واللصق وعلى مرأى العامة والأصدقاء، ويمكنه أيضاً في موقع آخر التغريد كل على ليلاه…
فترى أعياد الميلاد وأركيلة الشباب وزيارة بنت خالة عم صديقك، وتعرف منه سلالة العائلة والأسرار.. و”الفشخرة” والإشاعات..
في عالم الافتراض يصير جمع البقرة (كاواات) والكل خبير بالسياسة والاقتصاد وأسعار العملات والمازوت والغاز والزيت كاز، وخبر اختلاس المسؤول بقدرة لوحة مفاتيح ستتمرجح قيمته بين الأصفار وليترك لك الهاوي صاحب الدار الافتراضية التكهن فيما المسروق من جيب الوطن بالليرة أم بالدولار؟؟
فوضى مواقع التواصل الاجتماعي يجب أن تقوننها القواعد والتعليمات وأزعم أن تقنية (جرائم المعلومات) ليست بالحل الناجع وما علينا إلّا هدم الجدار..(مؤقتاً) ريثما نهيئ قواعد أساس من وعي مجتمعي تكون حائط الصدّ والدفاع والسفير الذي يليق بعكس صورتنا في عالم الافتراض.