عبادةُ الإبداع تأريخٌ استفزازيٌّ لـ«صموئيل دبليو فرانكلين»
تشرين- حنان علي:
يُعرّف الإبداع «لغويّاً» بأنه الإتيان بشيء لا نظيرلهُ، فِيه جودة وَإِتقَان، إذ يمثل ابتكاراً ما له من مثيل، أما«اصطلاحاً» فهو عملية تحويل الأفكار الجديدة والخيالية إلى حقيقة واقعة، لإنتاجِ جديدٍ إلى الوجود.
وعبر التاريخ؛ تغيرت سبل وعي المجتمعات بمفهوم الإبداع، كما تغير المصطلح نفسه.. يسأل أفلاطون في «الجمهورية»: «هل نقول عن الرسام إنه يخلق شيئاً ما؟»، ويجيب: بالتأكيد لا، لأنه مجرد تقليد.. وبالنسبة لليونانيين القدماء، كان مفهوم الخلق والإبداع مكرساً لحرية العمل، والقواعد.. وقد تمّ تحدي هذه المفاهيم اليونانية جزئياً في العصر الروماني،«تختلف الأشياء المصنوعة والمخلوقة، فبإمكاننا أن نصنع، ما لا نقدر على خلقه» على لسان كاسيودوروس المسؤول الروماني والشخصية الأدبية في القرن السادس، أما التغيير الجوهري فأتى لاحقاً مع مصطلح «الخلق» للإشارة إلى فعل الله المتمثل في «الخلق من العدم».
وفي العصر الحالي وبوصفه إحدى القيم المميزة للمجتمع، تدعي المدارس أنها تتبنى خلقه، وتقول الشركات إنها تستثمر فيه، بينما تعلنه المدن مصدراً لتميزها.. لكن كرة وجود الإبداع ما برحت من وجهة نظر صموئيل دبليو فرانكلين فكرة حديثة إلى حد ما ، إذ دخلت حديثنا اليومي في خمسينيات القرن الماضي، حين استثمر الأمريكيون مفردته في فترة ما بعد الحرب، لتحديد وتسخير قوة الفرد لتلبية متطلبات الرأسمالية الأمريكية والحياة في ظل الحرب الباردة على أمل إنتاج نشرات إعلانية أفضل و تقنيات جديدة. وبتشجيع من الجبابرة هؤلاء، بدأ الأمريكيون في رؤية الإبداع على أنه غاية فاضلة في حد ذاته، فاشتروا الوعد بأن توسيع قدراتنا الإبداعية يمكن أن يفي بحاجاتنا الفردية، ويؤمن مستقبلنا الجماعي.. جرى ذلك عبر دعم واسع من قبل مجموعة من المحترفين .. علماء نفس ومهندسين و إعلاميين.. لقد تم الترويج للإبداع كقوة للفردانية والروح الإنسانية ، وطموح جديد للطبقة الوسطى بما يلائم حاجات الشركات الأمريكية وروح معاداة الشعوب.
وهكذا شيئاً فشيئاً أخذت فكرة الإبداع تتنامى في جو من الرومانسية، وحين استعصى المصطلح على تعريف واضح، سمح لجميع أنواع الأشخاص والمؤسسات بالمطالبة به كحل لمشكلاتهم، بدءاً من بلادة الشركات وانتهاء بالتدهور الحضري.. أما اليوم ، عندما يتم البحث عن الإبداع وتحديده مداه ، وتعظيمه ، فيساعدنا تأريخ فرانكلين المثير على الانفتاح على المفهوم لمعرفة تعريفه الحقيقي ومن يخدم حقاً.
كتاب (عبادة الإبداع) وصف توثيقيّ لكيفية اكتساب الإبداع للقيمة المجتمعية المعاصرة.. لأن فرانكلين يكشف عن البناء الاجتماعي القوي الكامن خلف المعنى الحقيقي له، والمتناقض إلى حد ما مع تقديم «الإبداع»على أنه الإكسير السحري الذي لا يوصف لزيادة لشهرة والثروة للفنانين والتقنيين وقادة الأعمال اليوم.. كما يقدم كتاب (عبادة الإبداع) نظرةً واضحة بشكل استثنائي عن الأفكار والعقائد والبرامج المختلفة للمفهوم من خلال التحليل الدقيق لتاريخ المصطلح الذي تعود أصوله إلى حداثة لا يمكن تخيلها.
وصموئيل دبليو فرانكلين : مؤرخٌ ثقافيّ وباحث ما بعد الدكتوراه في التصميم المتمحور حول الإنسان في جامعة «دلفت» للتكنولوجيا.. حصل على جوائز وزمالات من مركز ليملسون لدراسة الاختراع والابتكار .