«عتمة مؤقتة» غوصُ في حياة المهمّشين وتأكيدٌ على أن الأملَ موجودٌ
تشرين- ميسون شباني:
عالم غني بالحكايات.. أقدار تتلاقى .. شخوص تحمل زخماً وكماً كبيراً من التناقضات، تهرب من ماضيها وربما من حاضرها، ويبقى الأمل بغدٍ مشرق ومختلف باعثاً حقيقياً لاستكمال مفردات الحياة والخوض في صعابها وتحمل أعبائها..
بين بساتين العدوي التقطت عين المخرج السينمائي فراس محمد في فيلمه الروائي الطويل الأول «عتمة مؤقتة » شخصيتين لهما عوالمهما الخاصة في بيئة تنضح بفقر مدقع، لقاء مصيري يجعل كلتا الشخصيتين تعيدان النظر في واقعهما، وهما شخصيتان عانتا ثقل الحياة بعد أن أرخى الماضي بثقله وقسوته على حياتهما، تاركاً الكثير من القسوة والتعب، لكن الأمل بالحياة والسعي للخروج منها هو ما يدفعهما للعيش لتغيير مسار الحياة والنهوض من جديد.
الفيلم من بطولة كل من: زهير عبد الكريم، أمانة والي، رنا جمول، علي القاسم، آية محمود، علاء زهر الدين، أمير برازي، دلع نادر، محمد زرزور، كساندرا ديوب، وهو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما .
الغوصُ في حياة المهمّشين
عن فيلم «عتمة مؤقتة » يقول فراس محمد مخرج الفيلم وكاتبه إن هذا فيلمه الروائي الطويل الأول، حاول من خلاله الذهاب للأماكن الحقيقية لشخوص الحكاية، ومقاربة حياة المهمشين والغوص في تفاصيل حيواتهم ، وإن همّه كان تحويل شخصيات الورق إلى شخصيات من لحم ودم تملؤها التفاصيل كما رآها في مخيلته، وحاول نقلها أمام كاميرته السينمائية، وأضاف: «عتمة مؤقتة» يقدم تشريحاً حقيقياً لطبيعة العلاقات الموجودة لشخوص الحكاية، ويغوص بشكل فعلي في حيواتهم، ويرصد بشكل مباشر وعبر إسقاطات معينة ملامح التغيير والقسوة ومنعكسات الحرب وآثارها على نفوسهم .. ويضيف :صحيح أن العتمة موجودة إنما بصفة مؤقتة، وهناك حيز كبير من التفاؤل والجمال من خلال محاولة الشخصيات الخروج من العتمة بأساليبها المختلفة، ويتحكم بمسارها وعفويتها سياق الأحداث والظرف الذي يعيشونه، والتحدي فيه هو قدرتهم على الوصول إلى نافذة الأمل والحياة الجديدة .
وكان المخرج فراس محمد قد نال العام الماضي جائزة «التانيت» الذهبي في مهرجان أيام قرطاج السينمائية عن فيلم «الناس اللي فوق»، ويملك في رصيده السينمائي العديد من الأفلام القصيرة من خلال المؤسسة العامة للسينما، ويعدّ فيلمه «عتمة مؤقتة» أولى تجاربه السينمائية في مجال الفيلم الروائي الطويل.
شخصية مختلفة
من جهته، كشف الفنان زهير عبد الكريم أن فيلم «عتمة مؤقتة» مهم جداً ومكتوب بحرفية عالية، والمخرج فراس محمد له عين خبيرة وكل شيء محسوب بتفاصيل الحدث المطروح، والشخصية جديدة الطرح في السينما السورية، وهي مختلفة جداً عن شخصياته السابقة، ويقول: الفيلم له مقولته في كل مشهد، وهو يحمل زخماً عالياً من الإشتغال الفني الداخلي والنفسي وحتى الخارجي، وشخصية «أبو فاروق» إنسان يعيش وحيداً مع القطط وتربطه علاقة حب بهذه الكائنات الوادعة، وهو شخص عازب له شكل مميز من ناحية الغرة على جبينه والخال الذي يزين وجهه، صحيح أنه يعاقر الخمرة خلسة لكن بسبب ما يمر فيه، ومشكلته أنه يحب إحدى فتيات الحارة التي تعمل راقصة، ولكن هذه الفتاة ترفضه فيقع في غرام شقيقتها، ويستكمل عبد الكريم: هناك بعض المشاهد المهمة والقاسية وهي بعيدة تماماً عن شخصيتي في الحياة، ولكنها خلقت نوعاً من التحدي بيني وبين نفسي لأنها تدفعني لإظهار المختلف وتستفزني كممثل، وأنا منذ قراءة الشخصية أتخيل الشخصية والكاركتر الذي سأقدمه وأحدد نقاط الالتقاء بيني وبين الدور الذي سأجسده.
البحث عن الخلاص
ويؤكد الفنان أمير برازي أن الفيلم تمّ التحضير له في ظروف صعبة هي ظروف الزلزال، وكل مشهد فيه له مقولته، وفيه أجسد شخصية الطبّال التي خرجت بصيغتها وشكلها النهائي بعد تحضيرات طويلة تمّ الاشتغال عليها حتى وصلت إلى شكلها الحالي من ناحية اللباس والإكسسوار، وهي شخصية كغيرها من شخصيات العمل تعيش ظروفاً صعبة وتبحث عن الخلاص بطريقتها ، أي عبر ما يناسب مصلحة الشخصية فقط.
لقاءات قدريّة
من جهته، يقول الفنان علاء زهر الدين إن «مروان» شخصية لها إرهاصاتها النفسية في الفيلم، فهو شاب يؤدي الخدمة الإلزامية، ويخدم في الجيش منذ نحو تسع سنوات ، ويأتي قرار التسريح فتنقلب أموره رأساً على عقب، ويتغير مسار حياته، وتحدث مشكلة حقيقية له، ويستعيد عبر الأحداث آخر ليلة له في المحرس الذي يخدم فيه، وكيف يعود لبيته وحارته القديمة، وكيف تبدأ العقبات بمصادفته واللقاء المفصلي بـ«أبو فاروق» و«عليا»، ونوّه زهر الدين بأننا سنشاهد ربطاً فنياً لافتاً بين شخوص الفيلم صاغه ببراعة لافتة المخرج فراس محمد.
صراعات المهمّشين
أما الممثلة كساندرا ديوب فأكدت أن الشخصية التي تؤديها لها مساحتها الصغيرة ، ولكن ما شجعها على قبولها أن شخصية الراقصة شخصية فاعلة ومؤثرة في سياق الأحداث وفي شخوص الفيلم ، وتسعى للخروج من مكان عملها لكن لا أمل لديها، وتخوض صراعاً مع راقصة ثانية بعد وفاة زوجها.