بين «البزنس» وصراع البقاء.. قطاع التصنيع الغذائي الحكومي يعيد ترتيب أوراقه ويمسك بما تبقى من حصته في السوق
تشرين – مركزان الخليل:
يعد قطاع الصناعات الغذائية من القطاعات المهمة في اقتصادات الدول، باعتباره يؤمن حاجة المواطن من الغذاء.
وتؤدي الإمكانات اللازمة لطرح سلة المواد الغذائية دوراً فاعلاً في تحقيق الاكتفاء منها، فشركاتنا الغذائية تطرح سلعاً قد لا تضاهي ما تطرحه المعامل الخاصة من سلع متنوعة فائقة الجودة، إلّا أن شركات القطاع العام تلعب على عامل الاستمرارية بإمكانات متواضعة أو أصبحت متواضعة لأسباب كثيرة.
إنتاجية عالية
الظروف الصعبة التي تعمل فيها شركات المؤسسة العامة للصناعات الغذائية، بعضها يحمل تبعات الماضي وقدم خطوط الإنتاج فيها، والبعض الآخر ما أفرزته سنوات الحرب من دمار وعقوبات اقتصادية. كل ما سبق أدى في نهاية المطاف إلى صعوبة في تأمين مستلزمات الإنتاج وتطوير خطوطه>
نصرة لـ«تشرين»: ربحنا ١٠ مليارات في ٤ أشهر وأنتجنا بـ٧٨ مليار ليرة بإمكانيات محدودة
لكن رغم ذلك في رأي المدير العام للصناعات الغذائية المهندس إبراهيم نصرة لم يمنع المؤسسة وشركاتها من تحقيق إنتاجية تجاوزت قيمتها سقف 78 مليار ليرة منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية الشهر الرابع منه, ما يؤكد الحالة الإيجابية التي مازالت تعمل من خلالها الشركات، وتنفيذ الخطط الموضوعة وفق الإمكانات المتاحة التي تتناسب مع ظروفها الموضوعية لتلبية حاجة الجهات العامة من المواد الغذائية بالدرجة الأولى، ومن ثم الالتفات إلى السوق المحلي.
٨٠٪ من حاجة السوق
ولأن القطاع الخاص كما يقول البعض بأن له الكلمة الفصل في تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية لكونه يعزز الإنتاج المحلي بأصناف قد لا توفرها شركات القطاع العام، فإن إحصاءات السوق تؤكد أن ٨٠٪ من المنتجات الغذائية توفرها معامل خاصة لها وزنها في السوق، ورداً على هذه المقولة يعود نصرة ليؤكد أن معاملنا تحاكي الواقع بالصورة التي تتفق مع الإمكانات المتاحة لدى المؤسسة والجهات التابعة، سواء لجهة الكادر البشري من عمالة فنية وإنتاجية, أم لجهة استثمار الآلات وخطوط الإنتاج القائمة، وإمكانية إجراء عمليات الاستبدال والتجديد لها، بما يتفق مع حالتها الفنية التي من شأنها تعزيز القدرات الإنتاجية لدى كل شركة معنية بتأمين منتج للسوق المحلي وفق رؤية تنسجم مع خطة وزارة الصناعة لتأمين السلع الغذائية وقبلها استيعاب المنتجات الزراعية التصنيعية بالاعتماد على المتوافر من الإمكانات رغم قلتها.
هي من يتحكم
ومنذ سنوات يعتقد المواطن أن ما يتوفر في السوق من أصناف مختلفة من الحبوب ومنتجات الألبان والقهوة والمخبوزات والمشروبات والشوكولا، يعطي انطباعاً بأن هناك آلاف المعامل تطرح هذه التشكيلة الواسعة من الأغذية، لكن الحقيقة أنّ ما يتم طرحه يُنتج في عدد من المعامل التي اكتسحت الأسواق بعلاماتها التجارية المميزة، وهذا الأمر يشبه إلى حدٍّ بعيد الحديث عن الشركات العشر العالمية المتخصّصة في صناعة الأغذية، كنسلة وكرافت هينز، ومونديلز وغيرها..
معادلة التحديات
لكن الواقع المحلي يؤكد أن ما تعانيه معامل الخاص من صعوبات في تأمين معداتها ومستلزمات إنتاجها، قد لا يكون بمستوى معامل القطاع العام، وحسب نصرة فإنّ الواقع الحالي وما سبقه من تحديات خلال ١٠ سنوات سابقة، فرض معادلة جديدة وأكثر صعوبة في تأمين المواد الأولية والآلات، إلى جانب ارتفاع أسعارها بصورة مستمرة، ما يؤثر بصورة سلبية في الربحية التي تتآكل مع تذبذب أسعار المستلزمات وخاصة أن المؤسسة مرتبطة بعقود تسويقية تغيير الأسعار فيها يحتاج لإعادة نظر محكومة بضوابط قانونية وإجراءات تحتاج إلى فترات طويلة يكون فيها السعر قد خضع للتغيير مرات عدة وهذه مشكلتنا اليومية في ظل الظروف الحالية، وذلك خلافاً لما هو في القطاع الخاص الذي يمتلك حرية الخيار وتعديل أسعاره بصورة مستمرة، ويؤمن له ربحية متغيرة ومتزايدة، لهذا السبب ربحية الشركات مقوننة ولا تستطيع الخروج من شروطها العقدية ونسبة الأرباح التي ضَمِنهَا القانون.
١٨١٪ نسبة تنفيذ
وأضاف نصرة: إنّ عملية الالتزام بالعقود الموقعة تؤثر في إنتاجية الشركات, بالمقارنة مع متغير الأسعار، فغالباً ما يتم تنفيذ عقود خاسرة مع الجهات العامة نتيجة الالتزام وارتفاع أسعار المستلزمات وحالة النقص الكبير في معظمها, وبالتالي الخسارة هنا ليست بإرادة الشركات، بل هي خاسرة بفعل الظروف الحالية، لكن رغم ذلك فقد حققت المؤسسة أرباحاً تجاوزت قيمتها الإجمالية خلال الفترة المذكورة سقف 10 مليارات ليرة، ومبيعات أيضاً قدرت قيمتها الإجمالية بحوالي 78،7 مليارات ليرة، محققة نسبة تنفيذ عن الفترة المماثلة من العام الماضي بلغت 181%.
تسويق بالكامل
أي إن كل ما أنتجته الشركات التابعة خلال العام الحالي، حسب نصرة، تم تسويقه بالكامل، والزيادة في كمية المبيعات هي تصريف جانب من المخزون، علماً أن الشركات لا تعاني من تراكم المخزون في مستودعاتها وما هو متوافر فيها موقوف لمصلحة بعض الجهات العامة يتم استجراره تباعاً وفق الحاجة.
مشكلات بالجملة
أما فيما يتعلق بالجانب الربحي فقد حققته شركات (المياه، عنب حمص -عنب السويداء – كونسروة دمشق- ألبان حمص – زيوت حماة – بصل السلمية) وهذه الشركات التي تعمل بطاقة إنتاجية مرهون تنفيذها بتوفر الإمكانات المادية والبشرية وخاصة أن هناك جملة من المعوقات فرضت صعوبة في تنفيذ كامل الخطط الإنتاجية في مقدمتها عدم توفر المواد الأولية اللازمة لتحقيق الخطط الإنتاجية للشركات وخاصةً شركات الزيوت (بذور القطن)، وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج نتيجة ارتفاع سعر الصرف وخاصة (مادة الحليب الخام-البريفورم –مواد التعبئة)، والصعوبة الأهم تتعلق بنقص الكوادر البشرية لدى المؤسسة والشركات التابعة إلى جانب مشكلة تأمين حوامل الطاقة ومستلزمات الإنتاج وغلاء أسعارها المستمر، الأمر الذي يفرض على الشركات دفع فاتورة الغلاء والالتزام بتنفيذ العقود.
جملة إجراءات
لكن هذا لا يمنع المؤسسة من الاعتماد على الكوادر المتوفرة في الشركات للخروج بحالة إنتاجية جيدة، وفق رأي نصرة، وذلك من خلال متابعة تنفيذ جملة من الإجراءات التي أمنت تنفيذ تلك الإنتاجية المذكورة في مقدمتها: متابعة العمل لوضع أسس الحوافز وجداول العلاوات لدى المؤسسة والشركات التابعة انسجاماً مع مرسوم الحوافز والعلاوات التشجيعية والمكافآت، وكذلك الإشراف على أنظمة الأتمتة والشبكات وبنك المعلومات وتحديثها بما ينسجم مع استمرارية العمل، إضافة للكشف الفني على الخطوط الإنتاجية لبعض الشركات وإجراء الصيانات اللازمة لزيادة الطاقات الإنتاجية.
١٤ ملياراً للتجديد
وخلال حديثه تناول نصرة جانباً مهماً في عمل المؤسسة يتعلق بالجانب الاستثماري والمتعلق في أغلبيته بعمليات الاستبدال والتجديد, وإضافة لمشروعات أخرى يمكن من خلالها تعزيز المكون الإنتاجي والتسويقي على مستوى المؤسسة, موضحاً أنه تم رصد اعتمادات لتنفيذ الخطة الاستثمارية خلال العام الحالي قدرت قيمتها الإجمالية بحوالي 14،5 مليار نصيب الاستبدال والتجديد حوالي 13,4 مليار ليرة معظمها يتركز في شركتي المياه وألبان دمشق وبقية المبلغ من نصيب المشروعات الجديدة التي هي قيد التوقيع والمباشرة للتنفيذ تتركز في إقامة مشروع وحدة لتعبئة مياه نبع الفوار باسم الجولان في القنيطرة ومشروع الربط الشبكي مع متمماته للمؤسسة وشركاتها التابعة، ومشروع الطاقات المتجددة لشركتي زيوت حلب والمياه وأغلبية هذه الموارد محلية وذلك لإجراء عمليات تجديد لخطوط الانتاج وتنفيذ المشروعات الجديدة.