تركيا على وقع أسبوع انتخابي أخير حاسم.. الاقتصاد وسورية

تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:
أسبوع فقط يَفصل تركيا عن انتخابات رئاسية / برلمانية، مصيرية، على مستوى الداخل وعلى مستوى الإقليم الذي يدخل بدوره ناخباً أساسياً فيها. ورغم إنه من المفترض أن يكون المشهد الانتخابي أكثر وضوحاً مع اقتراب يوم الانتخابات المقرر في 14 أيار الجاري، إلّا أن هذا المشهد يزداد ضبابية، ومن غير المتوقع أن ينجلي خلال الأسبوع المتبقي لناحية أي المرشحين أوفر حظاً، فاستطلاعات الرأي حتى الآن لا تعطي نتيجة حاسمة، والرئيس رجب أردوغان، ولأول مرة ربما، لا يبدو واثقاً من صلابة الأرض الانتخابية التي يقف عليها، لذلك فهو يعتمد تصعيداً متواصلاً وبأعلى صوره وأشدها شراسة ضد خصمه الأساسي كمال كيليتشدار أوغلو.. فهذه المرة يقترب الخصم- وأكثر من أي وقت مضى- من سدة الحكم، وعليه يرى أردوغان أن من حقه استخدام كل ما يتوفر بين يديه من أسلحة داخلياً وإقليمياً في سبيل الفوز، لتتحول الانتخابات إلى معركة «كسر عظم».. هذه المعركة يقودها تحالف كيليتشدار أوغلو باقتدار وهدوء وحكمة أوصلته إلى مرحلة «تصفير» الفارق بينه وبين أردوغان ليتصدر المشهد الانتخابي «باتجاه الفوز».. هذا ما بات يتحدث عنه المراقبون وبتوسع من دون أن يكون بمقدور أردوغان فعل شيء.
*** *** ***
قبل الاستطراد لنعرض آخر ما جاء في استطلاعات الرأي، علماً أن هذه الاستطلاعات ليس بالضرورة أن تكون مُعبّرة مئة بالمئة عن حقيقة المشهد الانتخابي، فهي فعلياً ليست مستقلة كلياً بالصورة التي تدفع، أو تقترب، من يقين محدد حول من سيفوز.. هذه الاستطلاعات تتبع بمجملها لهيئات أو مؤسسات أو وسائل إعلامية محسوبة على المتنافسين.. مع ذلك هذه الاستطلاعات تزداد ضبابية بصورة غير حاسمة على الإطلاق سواء لناحية الدورة الأولى أو لناحية الدورة الثانية، فماذا في أحدثها؟
رغم أن تحالف السلطة «أردوغان» المُسمى «تحالف الجمهور» هو أكثر انسجاماً وتنظيماً إلّا أن الاستطلاعات لا تعطي أردوغان تقدماً سوى بثلاث إلى أربع نقاط «49.1%، وكيليتشدار أوغلو 46.3%» ومحرم إينجه 2.7%، وسنان أوغان 1.9%، ما يعني أن الأوّلَين سيبقيان للدورة الثانية، ليفوز أردوغان بنسبة 50.8%، وينال كيليتشدار أوغلو 49.2%. لكنه فوز غير مضمون، حيث إنه وكما يقول خبراء استطلاعات الرأي في تركيا «كلما تراجعت أصوات محرم إينجه وسنان أوغان في الدورة الأولى، تضاعفت فرص كيليتشدار أوغلو ليكون الفوز من نصيبه في الدورة الثانية» «52.8%، مقابل 47.2% لأردوغان».. في حين ترى استطلاعات أخرى أن النتائج في الدورة الثانية ستكون شبه متعادلة «45.2%، مقابل 45.8% لأردوغان» وهذه ليست في مصلحة أردوغان الذي ستقاسمه المعارضة الحكم والقرار.
أيضاً في إطار الاستطلاعات، هناك اتجاه يؤكد أن كليتشدار أوغلو سيفوز في الجولة الثانية، هذا إذا لم يفز بالأساس من الجولة الأولى، وبفارق خمس نقاط على الأقل عن أردوغان.
مع ذلك يشير المراقبون إلى أمرين أساسيين ما زالا يخدمان أردوغان، الاقتصاد والإقليم، ما زال الاقتصاد الورقة الكبرى التي يمتلكها أردوغان رغم ما يعانيه الاقتصاد حالياً من تضخم بمستويات عالية جداً، ومن غلاء المعيشة، وحسب الاستطلاعات فإن 67% من الأتراك يرون أن القضية الأولى هي الأزمة الاقتصادية، ويُحسب لأردوغان الكثير من المشاريع الكبرى العائدة للدولة في مختلف القطاعات والتي تنعكس بصورة إيجابية على الوضع الاقتصادي، هذا عدا عن المشروعات الأخرى، وهي كبرى أيضاً، التي جَيّرها لمصلحة بلاده عن طريق حلفائه الدوليين وعلى رأسهم روسيا.
لكن الاقتصاد بقدر ما هو داعم لأردوغان، هو حجر عثرة في الوقت نفسه، وحسب صحيفة «بوليتيكو» على سبيل المثال فإن الاقتصاد هو «الكأس المسمومة» التي تنتظر الفائز في الانتخابات التركية، مشيرة إلى أن «ترويض التضخم الجامح سيكون أمراً حيوياً، لكن هذا قد يعني أسعار فائدة فادحة قد تصل إلى 30%» وأضافت: لا تحسدوا من يفوز، إذ يمكن أن يخرج المنتصر على الفور عن مساره بسبب الرياح الاقتصادية المعاكسة».
وتابعت: إن الطرفين يعرفان أن الأولوية بعد التصويت ستكون محاولة وقف النزيف وإعادة تركيا إلى وجهة مرغوبة للاستثمارات الأجنبية المهمة.
هذا الأمر أكده المسؤول السابق في البنك المركزي والخبير المالي أوغور غورسيس، مشيراً إلى أنه «بغض النظر عمّن سيصل إلى السلطة، فإن القضية الرئيسة ستكون الاقتصاد، حيث ستكون الأشهر الستة الأولى صعبة».
لكن أردوغان يستعرض في كل نشاطاته الانتخابية إنجازاته الاقتصادية، مؤكداً أن الحكومات التي شكلها حزبه، حزب العدالة والتنمية، أنجزت خلال 21 عاماً مشروعات لم تتمكن أي حكومة سابقة قبلها من إنجازها، متعهداً بتنفيذ المزيد من المشروعات العملاقة في حال فاز في الانتخابات.
*** *** ***

أما ورقة الإقليم، فلا يزال أردوغان يستثمر فيها، وإن كانت طريقه باتجاه سورية والتقارب معها لا تزال مقطوعة، ولأنها كذلك لا بدّ من العودة إلى الميدان والاستثمار فيه.
في أحدث مقابلة له، وكانت يوم الجمعة الماضي، أكد أردوغان في لقاء تلفزيوني أنّ العمليات العسكرية خارج الحدود لم تنتهِ، وهو هنا يشير إلى سورية تحديداً، حيث كان نظام أردوغان أعلن خلال الأيام القليلة الماضية عن تصفية مجموعة موالية للجيش الأميركي، ويقصد هنا «قسد» وذلك عبر قصف جوي بمسيرة تابعة لسلاح الجو التركي.
وقبل ذلك أعلن النظام التركي تصفية من سماه زعيم «تنظيم داعش» أبو حسين القرشي في عملية أمنية – عسكرية في منطقة تابعة لسيطرة الفصائل الموالية لتركيا في شمال سورية.. وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد شككت في صحة الإعلان التركي، على لسان أحد مسؤوليها وفق صحيفة «مونيتور» الأميركية الذي قال: لا وجود لمعلومات من شأنها أن تدعم هذا الادعاء.
وحسب أردوغان فإنهم دائماً ينتظرون الوقت المناسب لتنفيذ مثل هذه العمليات.
وعن الانتخابات أكد أردوغان أنه متقدم بما لا يدع مجالاً للشك سواء في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، وقال: شعبنا سيُعطي الشرعية مجدداً لسياسة إنجاز الخدمات والمشاريع، وشن هجوماً عنيفاً على المعارضة، متهماً إياه بدعم الإرهابيين وبأنها تحصل على الدعم منهم.
*** *** ***
هذا في الميدان، أما في السياسة، ونحن هنا نتحدث عن سورية، فما زال نظام أردوغان يضرب مواعيد جديدة للقاءات رباعية، وأحدث مواعيده صدر يوم الجمعة الماضي من وزير خارجيته مولود تشاويش أوغلو الذي أعلن أنه سيزور العاصمة الروسية موسكو في العاشر من هذا الشهر للقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف، مشيراً إلى أن اللقاء مع لافروف سيتسع ليضم وزيري خارجية سورية وإيران، بمعنى؛ إن الاجتماع الرباعي الجديد على مستوى وزراء الخارجية سيكون يوم الأربعاء المقبل حسب تشاويش أوغلو.
وسبق لتشاويش أوغلو أن قال خلال الأسبوع الماضي: هذا الموعد يأتي بناء على اقتراح من الجانب الروسي، لكنه لم يتطرق إلى الموقف السوري وما إذا كانت دمشق ردت بالإيجاب.
وفيما أشارت مصادر إلى أن تطورات إيجابية طرأت على الموقف التركي لناحية الاستحقاقات السورية، لم يتحدث أي من المسؤولين الأتراك حول هذا الأمر، ونقلت تلك المصادر عما سمته مصدر مطلع أن «تركيا أبلغت الجانب الروسي أنها مستعدة بعد الانتخابات ولأول مرة بصورة مباشرة لتشكيل لجنة أمنية حدودية ثنائية مع سورية تبحث في نقطة محددة وهي انسحاب القوات التركية المتواجدة على الأرض السورية». وعدّ المصدر المطلع أن «التوصل إلى هذه المسألة هو تطور لافت وكبير في بناء تفاهمات تركية سورية في المرحلة المقبلة».
هذا التطور بدا متسقاً مع تصريحات صحفية- يوم الجمعة الماضي – لوزير الدفاع التركي خلوصي أكار الذي تحدث عن وجود مخطط لإنشاء مركز تنسيق ميداني مع الجانب السوري، مشيراً إلى وصول الجانبين إلى تفاهم مشترك في بعض النقاط، وقال: لدينا فكرة لتعزيز الثقة المتبادلة واتخاذ الإجراءات والتنسيق الميداني للأنشطة الموجودة هناك على الفور.. ونأمل تنفيذ هذه الخطة في الأيام المقبلة.
ووصف أكار اجتماع موسكو الرباعي الأخير بـ«المهم جداً» وقال إنه جرى التوصل خلاله إلى تفاهم مشترك في بعض النقاط، مضيفاً أنه تم الاقتراب بشكل كبير من نقطة التوافق على الخطوط العامة، وأكد أكار أن هذه «الدبلوماسية العسكرية التي ستبدأ في الميدان، ستسبب اضطراباً وتزعج المنظمة الإرهابية ورعاتها» في إشارة لقوات «قسد» والولايات المتحدة الأميركية.
تصريحات أكار وقبله المصدر المطلع يَسند ما جاء في البيان الختامي السوري الذي صدر بعد اجتماع موسكو الرباعي الأخير وأكد أنه تمت مناقشة مسألة الانسحاب التركي من الأراضي السورية، وهو أمر شكك به المغرضون بزعم أن تركيا لن تقبل الانسحاب، لتأتي تصريحات أكار لتؤكد صحة ما جاء في البيان السوري.
*** *** ***
بكل الأحوال هذا يعني أن ملف التقارب لن يتم إنجازه قبل الانتخابات التركية، إنما بعدها، وأن نتيجة هذه الانتخابات هي من سيحدد مع أي رئيس تركي يمكن أن يجلس الجانب السوري في حال تواصل مسار التقارب باتجاه محطته الأخيرة المتمثلة بعقد قمة سورية – تركية على المستوى الرئاسي.
لن يطول الوقت لمعرفة ذلك.. أسبوع فقط قد يمتد بضعة أيام في حال كانت هناك جولة ثانية.. سنعرف من الفائز فيها.. وعندها إمّا أن يكون لنا الحديث نفسه في حال فاز أردوغان، وإّما حديث آخر في حال فاز منافسه كيليتشدار أوغلو.

كاتب وأكاديمي عراقي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار