وزارتا التربية والتعليم العالي متهمتان مباشرة ..”وباء خطير” يجتاح بيوت السوريين والأسر ليست بريئة..
تشرين – رفاه نيوف:
لم تعد الدروس الخصوصية ظاهرة مستفحلة في مجتمعنا فحسب وإنما أصبحت وباءً خطراً من الصعب التخلّص منه بسهولة .
هذا الوباء الذي بدأ منذ نحو عقدين من الزمن، واقتصر بداية على طلاب الشهادة الثانوية، وتحديداً الفرع العلمي، ليتطوّر ويشمل كل طلاب الشهادة الثانوية بأنواعها وشهادة التعليم الأساسي، وساهمت ظروف الحرب ووباء كورونا والكوارث الطبيعية والأعطال الكثيرة والطويلة التي رافقت هذه الظروف في امتداد وباء الدروس الخصوصية إلى طلاب المرحلة الابتدائية، نتيجة انقطاعهم عن الدوام في المدارس، ورؤية أهالي الطلاب بأن تعويض الفاقد لا يكون إلا بالدروس الخصوصية، وعند معلمة الصف نفسها.
د. سليمون: وزارة التعليم سبب رئيس في انتشار الدروس الخصوصية
وارتفع سعر الساعة الدرسية الخاصة أكثر من ١٠ آلاف ليرة للطالب ضمن مجموعة عند الكثير من المدرسين، فسعر ساعة الرياضيات لمجموعة مكونة من عشرة طلاب وصل إلى ١٠٠ ألف ليرة وتوجد مجموعات تصل لعشرين طالباً.
فهل نسفت الدروس الخصوصية خصوصية التعليم المجاني في مدارسنا ليصبح تعليماً مأجوراً بعيداً عن قاعات المدارس، مع غياب الطلاب عنها بعذر وبغير عذر؟ وما الإجراءات التي اتخذتها مديرية تربية طرطوس، وما موقف الأهالي والمختصين؟
الدوام في حدّه الأدنى
أيام معدودة يداومها طالب الشهادة الثانوية في المدرسة وتقتصر على الفصل الأول من العام الدراسي، كما تؤكد (السيدة منى) والدة طالب في الثانوية العامة- الفرع العلمي، وتتابع: وقفت بداية ضد ابني في الانقطاع عن الدوام وأن ما تعطيه المدرسة هو الأساس، لكن عندما شاهدت أبناء المدرسين والموجهين والمسؤولين وغيرهم لم يداوموا يوماً واحداً، عملت على إحضار التقارير الطبية لابني أسوة بزملائه المنقطعين عن الدوام من دون أي تبرير.
تغيير المناهج وضخامتها كرّسا الدروس الخصوصية
وتبيّن (السيدة سها ) أن المدارس لم تعد منهلاً للعلم، وإنما فترة استراحة للمدرّس والطالب المنهك من الدروس الخصوصية، والمدرسة لا تعني طالب الشهادة إلا ارتباطه للتقدم للامتحانات من خلالها، للأسف هذا هو الرابط الوحيد.
واستغربت (أم طالب شهادة ثانوية) من لجوء “تربية طرطوس” إلى فصل أكثر من ٦٠٠ طالب بسبب الغياب عن المدرسة، وتساءلت: هل طال الفصل أبناء العاملين بقطاع التربية وأبناء المدعومين، أم فقط أبناء الفقراء الذين غابوا أسوة بزملائهم؟ وهل تُحَلّ مشكلة الغياب بالفصل أم البحث عن سبب المشكلة ووضع الحلول المناسبة لها ؟
ويقول طالب: بدأتُ بأخذ الدروس الخصوصية في الفصل الثاني من الصف الحادي عشر، وعندما بدأ دوام “البكالوريا” كنت قد شارفت على إنهاء المنهاج بالكامل والأساتذة هم أنفسهم في المدرسة.
مليونا ليرة للمنهاج
أفرزت الدروس الخصوصية طبقة جديدة من الأثرياء، كما توضح السيدة سلوى، وتضيف: لدي ابن في الشهادة الثانوية – الفرع العلمي وابنة في الصف التاسع، أنا موظفة وزوجي موظف، والدروس الخصوصية أنهكتنا، فقد وصلت تكلفة الدروس لطالب «البكالوريا » ضمن مجموعة إلى نحو مليوني ليرة ، وتجاوزت المليون ليرة للتاسع. هي أسعار فلكية لا ترحم، وبتنا تحت رحمة القروض، رأفة بأبنائنا، فالتعليم غاب عن المدارس، وأصبحت الدروس الخصوصية ضرورة وحاجة في ظل غياب ضمير بعض المدرسين .
موضوع شائك
يؤكد مدرس اللغة العربية المتقاعد علي بدور لـ”تشرين” أن هذا الموضوع شائك ويحتاج إلى جهود كبيرة من الأهل ووزارة التربية وجميع المعنيين والمختصين بالشأن التربوي، وخاصة بعدما فقدت وزارة التربية بريقها، وتخلّلت عملها رشوة عند بعض الإدارات والموجهين من أجل تغيّب الطلاب، إضافة إلى شبه غياب للوزارة ومديرياتها عن واقع المدارس، مضيفاً : إن الدروس الخصوصية مستمرة، ما دامت الأسئلة محصورة بالكتاب فقط.
وباء مثل كورونا
الدكتورة ريم سليمون – الأستاذة في كلية التربية بطرطوس تؤكد أن موضوع الدروس الخصوصية متشعّب، وله فترة ليست قليلة من الزمن، فأصبح مثل وباء كورونا، لا يمكن التخلص منه بسهولة، ولا تتحمل مسؤولية التخلص منه جهة واحدة.. فوزارة التربية تتحمل جزءاً كبيراً من اختيار المدرسين في المدارس، وتتحمل الوزارات الأخرى جزءاً بالنسبة للعائد المادي للمدرّس، الذي لا يتناسب مع الواقع المعيشي .
العطل الطويلة يجب ألا تشمل وزارتي التربية والتعليم العالي
وترى د. سليمون أن بعض الأهالي ساهموا في انتشار الدروس الخصوصية بداية، وخاصة الأثرياء، وامتدت الدروس لتشمل كل المراحل التعليمية، ليبدأ الغياب وتنشط التقارير الطبية، إضافة إلى تغيير المناهج وضخامتها، وأصبح المدرس وسط هذا الواقع محتاراً بين ضميره وبين الثراء الفاحش الذي وصل إليه أقرانه، فركب الموجة ليفقد المدرس هيبته أمام الطالب..
كما أصبح الأساتذة ضمن طبقة أثرياء مثل الطب وغيره، لكن لمهنة التعليم خصوصيتها ( كاد المعلم أن يكون رسولاً)، وأي مهنة يمكن أن يدخلها الفساد والمحسوبيات إلا مهنة التعليم فلا تتحمّل ذلك .
لوزارة التعليم دور كبير
وتشير د. سليمون إلى أن وزارة التعليم العالي سبب رئيس في انتشار الدروس الخصوصية، لأن معيار دخول الجامعات يتوقف على الدرجات فقط، وهذا معيار غير صحيح وغير جيد.
العطَل يجب ألا تشمل وزارة التربية
الموضوع شائك جداً- حسب د. سليمون- كما أن الجميع معني، الأهل لهم دور والمعلم ووزارة التربية لها دور بضخامة المناهج وتحجيم دور المدرسة، العطل الطويلة التي لا نشهدها في أي دولة أخرى، ففي كل الدول ومنها مصر، العطل الرسمية لا تشمل وزارة التربية والتعليم العالي لوجود مناهج وخطط درسية، والتفاعل الصفّي لا يحصل إلا داخل الصف، وهو يكوّن شخصية المتعلم، ويشحذ قدراته، ويجعله شخصاً متكيفاً مع المجتمع، ومنتمياً لبلده عن طريق مدرّس يحمل هذه القيم.
إعداد المدرس
وبينت د. سليمون أن إعداد المدرس لا يتم بشكل جيد، وخاصة بعد أن تخلّت وزارة التربية عن الالتزام بمعلم الصف، وأصبحت مخرجات كليات التربية تحت المستوى المطلوب للتعليم، وبرأيها أن ١٠٪ فقط من خريجي كلية التربية يلائمون مهنة التدريس، فالكثيرون لا يملكون “الكاريزما” الأساسية لمهنة التدريس، وهذا عامل مساعد لتشجيع الدروس الخصوصية.
وضع ضوابط
لا بد من وضع ضوابط لهذا الوباء الذي أصاب مجتمعنا وأولها إعداد المدرس، وزيادة دخله، ووضع ضوابط صارمة لترخيص المعاهد الخاصة، اليوم نرى الكثير ممن هم في مواقع المسؤولية لديهم معاهد خاصة ودروس خصوصية ومؤمنون بهذا الشيء.
ضابطة عدلية لضبط المخابر اللغوية
مدير تربية طرطوس علي شحود أكد وجود تعليمات وركائز وزارية تطبّق لمكافحة الدروس الخصوصية ضمن الدوام الرسمي بالمدارس، وتتابع دائرة التعليم الخاص من خلال الجولات التتبعية للضابطة العدلية لضبط المخابر اللغوية غير المرخصة وضبط أي حالة غير نظامية يومياً .
أما فيما يخص تراجع الدوام المدرسي في مدارس التعليم الأساسي والثانوي، ففي الأيام الأولى للكوارث الطبيعية كان هناك تراجع خفيف في دوام التلاميذ، بسبب تداعيات الخوف والقلق النفسي من كارثة الزلزال، وفي هذا الإطار عزّزت مديرية التربية حلقة التعاون مع أَولياء الأمور من خلال مديري المدارس لمعالجة حالات الغياب وعودة التلاميذ والطلاب للمدارس، إضافة إلى إقامة حملات توعية من دائرة البحوث، منها حملة ( الاستجابة لتداعيات الزلزال) تم خلالها شرح الكوارث الطبيعية وكيفية التعامل معها في حال حدوثها وأيضاً مبادرة (معاً سنكون بخير) التي تضمنت أنشطة دعم نفسي واجتماعي للطلاب والكادر الإداري والتدريسي.
كما تم تفعيل الجولات الإشرافية اليومية لرؤساء الدوائر ورؤساء الشعب والموجهين الاختصاصيين والتربويين إلى مدارس المحافظة كلها لبيان وضع التلاميذ وطلاب المرحلة الانتقالية في كل مدرسة وتدقيق التزام الطلاب والمدرسين بالدوام وعدم الانقطاع والتأكيد على إدارات المدارس بمتابعة الالتزام بالدوام وتنفيذ الخطة الدرسية المقررة تحت طائلة المساءلة.
الحدّ من التقارير الطبية
وأشار شحود إلى أنه تم الحدّ من التقارير الطبية من خلال تطبيق إجراءات جديدة بهذا الخصوص، حيث كلّف المدير المساعد للتعليم الأساسي التدقيق بالإجازات الصحية المحوّلة من دائرة الصحة المدرسية التي تبلغ أكثر من /٩/ أيام وتشمل المدرسين والطلاب للتدقيق فيها وضبطها بالتعاون مع لجنة فحص الموظفين لإعطاء الإجازات الصحية لمستحقيها فقط ، وفق تقديم تقارير يومية من الصحة المدرسية حول الإجازات المأخوذة.
ترقين قيد بعد ١٦ يوم غياب
رئيس دائرة التعليم الثانوي محسن حمدان بيّن أنه رغم أن التعليم في المرحلة الثانوية غير إلزامي، لكن بالنسبة لتسرّب الطلاب في هذه المرحلة تقوم مديرية التربية متمثلة بالتوجيه الاختصاصي بجولات دورية على المدارس، إضافة إلى أن شعبة شؤون الطلاب في دائرة “الثانوي” تقوم بالتواصل اليومي مع إدارات المدارس التي تقوم بدورها بحثّ الطلاب على الالتزام بالدوام المدرسي، وخاصة طلاب الشهادات، والتواصل الدائم مع الأهل، لأنه في حال استمر غياب الطالب تطبّق عليه تعليمات النظام الداخلي القاضية بترقين قيده بعد غياب ١٦ يوماً، ويتقدم إلى الامتحانات العامة بصفة دراسة حرة. في حين تقوم دائرة التعليم الأساسي أيضاً بمتابعة المدارس بشكل يومي، وذلك من خلال توجيه المشرفين التربويين وتوجيه مشرفي التعليم الإلزامي في المحافظة لمتابعة موضوع التسرّب واتباع الخطوات اللازمة لمحاولة عودتهم إلى المدارس.
أخيراً
إن التخلص من وباء الدروس الخصوصية يحتاج إلى تضافر كل الأطراف الوزارية والمجتمعية والأهلية والتربوية والإعلامية، وجدّية في التعامل مع هذا الوباء الخطر، والالتزام بالأنظمة والقوانين ومحاسبة كل من يخترقها.