الزيارة الحدث

من الطبيعي جداً أن يكون بين دولتين صديقتين تبادل للزيارات على مستوى القمة، خصوصاً بين دولتين تربطهما علاقات راسخة تمتد إلى عقود طويلة كسورية وإيران، لكن الزيارة الحالية التي يقوم بها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تتجاوز الحدود الطبيعية لترقى إلى الزيارة الحدث، وذلك لأسباب عديدة وكثيرة لا يتسع المكان لذكرها ومنها:
أولاً: التوقيت، فهي تأتي بعد اثني عشر عاماً من الحرب العالمية المدمّرة على سورية والتي وقفت فيها إيران إلى جانب الشعب السوري، وقدمت له المال والسلاح وأكثر من كل ذلك الدماء، حيث ارتقى في ساحات المعارك خيرة ضباطها وجنودها، وامتزجت دماؤهم مع دماء الضباط والجنود السوريين، لذلك فإن الزيارة في توقيتها هي توقيع على انتصار الإرادة وتتويج لحلاوة الصمود.
ثانياً: المتغيرات، حيث تشهد المنطقة تغيرات إستراتيجية تتمثل في انكماش النفوذ الأمريكي والغربي، وامتداد المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة للأقطاب العظمى مع دول المنطقة وأثرها الإيجابي الكبير الذي يشجع على تصفير المشكلات والخلافات بين دول المنطقة، التي كانت تغذيها الولايات المتحدة وحلفاؤها، وخير دليل على ذلك الاتفاق السعودي- الإيراني برعاية صينية وانعكاسه الإيجابي على استقرار المنطقة وازدهارها، فإذا أضفنا إليه الانفتاح العربي على سورية، والتهدئة المستقرة في اليمن، والدور الفاعل والمحوري لإيران في تقريب وجهات النظر السورية – التركية، وإقناع تركيا بتغيير نهجها العدائي ضد سورية، والانسحاب من أراضيها التي توجد فيها القوات التركية، فإن ذلك عنصر كبير تراكمي يجعل من الزيارة حدثاً.
ثالثاً: ترسيخ الثوابت ومحورية القضية، حيث لم يسبق لزيارة أن كانت بجدول مثل جدول هذه الزيارة التي رسخت ثوابت التحالف حول القضية الأم «القضية الفلسطينية» ودعم حقوق الشعب الفلسطيني المسلوبة، فاستقبال فصائل المقاومة الفلسطينية على أرض سورية من الرئيس الإيراني، حدث في حد ذاته.
لهذه الأسباب التي تم ذكرها ولأسباب كثيرة لا يمكن الإحاطة بجميعها، وخروج الزيارة عن إطار التصنيف المتعارف عليه لتتحول إلى زيارة سياسية اقتصادية اجتماعية، تؤكد للعدو قبل الصديق أن هذه الزيارة يجب تصنيفها حدثاً إستراتيجياً قلّما حصل بين الدول.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار