لم تجد إستراتيجية التوجه شرقاً، التي طرحت خلال سنوات الحرب اللعينة كحل مجدٍ لمواجهة الحصار الغربي، طريقها إلى التنفيذ الفعلي رغم توقيع اتفاقيات عديدة مع الدول الصديقة، بسبب عقبات عديدة فرضتها ظروف الأزمة والحصار، ولكن بالمقابل لا يمكن إغماض العين عن تقصير مفرط من قبل مسؤولي الحكومات المتعاقبة عن تفعيل هذا التوجه الفعّال في توطيد العلاقات الاقتصادية بين الدول المستهدفة ورفع منسوبها إلى مصاف العلاقات السياسية.
واليوم بعد التحوّل الواضح في خريطة العلاقات الاقتصادية الدولية وكسر الأحادية القطبية، تطل هذه الاستراتيجية بقوة، داعية صنّاع القرار إلى ترجمتها فعلياً على أرض الواقع على نحو يحقق المصالح الاقتصادية المشتركة، والاستفادة من مزايا كل بلد في تلبية احتياجات أسواق البلد الآخر عبر إعفاءات ومحفزات تضمن النفاذ بيسر من دون عقبات معرقلة تحول دون تشجيع القطاع الخاص على تفضيل أسواق “المحور الشرقي” إن صح التعبير، والتمسك بـ”الهوى” الغربي رغم كل عقوبات دوله الظالمة وصعوباته الكثيرة، وهذا عموماً يستلزم “شغلاً” ضخماً وقرارات نافذة وليس مجرد اجتماعات وتوقيع اتفاقيات تأخذ وقتها للتنفيذ، وهو ما نأمل تغييره خلال الفترة القادمة وخاصة مع الانفتاح العربي والإقليمي وحتى الدولي على بلدنا بعد سنوات من الحصار والخصام، حيث يتوجب وضع كل الطاقات والإمكانات للاستفادة من هذه اللحظة المفصلية في شد “ركاب” الاقتصاد المحلي المنهك واستثمار قطاعاته ذات المزايا النسبية للتغلب على الأزمات الاقتصادية والمعيشية، التي أتعبت كل المواطنين على اختلاف مستوياتهم، وأصبح لزاماً تخفيف الأعباء عن كاهلهم بكل الطرق الممكنة، ولعلّ أهمها دعم الإنتاج وإعادة النهوض بالقطاعين الزراعي والصناعي لتمكين المنتج السوري من المنافسة والتعامل بـ”ندية” مع الدول التي نوقّع معها الاتفاقيات الاقتصادية، والاهتمام أيضاً بجودة وشكل المنتجات المصدرة، فنحن نمتلك منتجات نوعية ذات مزايا نسبية لكن للأسف غالباً ما تصدر “دوغما” أو من دون مراقبة لنوعيتها، فيظن البلد المستورد أننا لا نملك منتجات جيدة، وهذا فعل يسيء بشكل كبير للمنتج المحلي، الذي يحتاج إلى حماية واهتمام من كل النواحي للمحافظة على سمعته وجودته.
زيارة الرئيس الإيراني “التاريخية”، وتوقيعه مع السيد الرئيس بشار الأسد مذكرة تفاهم لخطة التعاون الشامل الاستراتيجي طويلة الأمد، تمثل نصراً اقتصادياً، ودفعاً قوياً لتفعيل استراتيجية التوجه شرقاً، وخاصة أن ذلك يسهم في تذليل كل العقبات التي تحول دون زيادة التبادل التجاري إلى أرقام طموحة تعكس العلاقات الاستراتيجية المميزة بين البلدين، عبر تصدير وتوريد السلع الملبية لاحتياجات الشعبين اللذين يعانيان من آثار الحصار الاقتصادي، فحتماً عند تفعيل العلاقات الاقتصادية ورفع أرقام التبادل التجاري يمكن كسره وتحويلها إلى ورقة رابحة عند استثمار عوامل القوة لاقتصاد البلدين بحلفهما الاستراتيجي.
رحاب الإبراهيم
68 المشاركات