دمشق – طهران.. علامة فارقة في العلاقات السياسية والاقتصادية وآفاق واعدة على مستوى التشاركية والتكامل
تشرين- رشا عيسى:
تشكل دمشق وطهران علامة فارقة في العلاقات بين العواصم والبلدان، ولا يزال تحالفهما الأعرق والأكثر استراتيجية وثباتاً ومقاومة لأي تصدع رغم قساوة الظروف الاقتصادية والسياسية عالمياً .
الثقة الكبيرة بين الطرفين والامتنان الذي يقدمه الشعب السوري للدعم اللامحدود الذي قدمته الجمهورية الإسلامية الإيرانية لهم في مواجهة الإرهاب والتكفيريين أثبتت أنها نِعم الشقيق والصديق في أحلك الظروف، ما هيأ الأجواء لجعل العلاقة بينهما تتجه نحو المزيد من التطور المبني على أسس متينة سياسياً واقتصادياً.
يتابع البلدان سعيهما الحثيث للانتقال نحو محطة جديدة على طريق تطوير العلاقات بينهما وخاصة اقتصادياً، ويترجم هذا التطور في لقاء القمة في دمشق بين الرئيس بشار الأسد والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.
يؤكد خبراء الاقتصاد أن الآفاق الجديدة للتعاون الاقتصادي بين دمشق وطهران واعدة، ولقاء القمة سيكون تتويجاً للاستفادة من الفرص المتاحة لتطوير العلاقات في مختلف المجالات الاقتصادية سواء على المستوى الاستثماري أو التبادل التجاري أو في مجال الطاقة.
علاقات وثيقة
الباحث الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس بين لـ( تشرين) أن العلاقات وثيقة بين البلدين ومنذ عام 2012 بدأ تشكيل الخط الائتماني لدعم الحالة الاقتصادية السورية، وإيران من الدول الصديقة التي سيكون لها دور في إعادة الإعمار عبر دعم أساسي لتكوين البنية التحتية اللازمة للاقتصاد الوطني وذلك في قطاع الطاقة.
وقال الجاموس: نتمنى أن تكون هذه الاتفاقيات بمستوى الشراكة لتحقيق إيرادات حقيقية، وأن تساعد في عملية الإنتاج والاستثمار، و أن يتم تحقيق أرباح تولد إيرادات حقيقية تساعدنا على سداد هذه الديون وتحسين الوضع الاقتصادي والتخفيض من مستوى العجز .
وأوضح الجاموس أن المقصود بالخط الائتماني منحيان من التسهيلات المالية إما نقدية وإما غير نقدية، والتسهيلات النقدية تكون من خلال قروض توضع بالقطع الأجنبي في البنك المركزي ما يحسن من سعر الصرف أو على الأقل يحقق استقراراً فيه ولهذا دور مهم في دفع العملية الاستثمارية.
وتوقع الجاموس أن يوجه هذا التسهيل الائتماني لدعم قطاع الطاقة الكهربائية الذي يعد الأساس في تكوين البنية التحتية للاستثمار، لأن تحسن الواقع الكهربائي، يعني تحسناً بشكل مطلق بالوضع الاستثماري لأن عامل الطاقة أساسي في تشجيع الاستثمار وعملية الإنتاج وبالتالي تحقيق أرباح وإيرادات تساعد في دفع عجلة الإنتاج وتغطي تكاليف هذا الخط الائتماني.
أما التسهيلات غير النقدية التي من الممكن أن يشملها الخط الائتماني فهي إعفاءات ضريبية وجمركية وتسهيلات بعمليات الاستيراد.
ويرى الجاموس أن القطاع العقاري جزء مهم من الناتج المحلي في كل دول العالم، ولكن يحتاج بنية تحتية أساسها الطاقة وتأمينها ينعكس إيجاباً على القطاع العقاري وكذلك القطاعات الصناعية والزراعية و غيرها، مشيراً إلى وجود مستثمرين إيرانيين وشركات إيرانية يرغبون بالاستثمار في القطاع العقاري، حيث تعد الضواحي القريبة من العاصمة دمشق مشجعة جداً للاستثمار، ويمكن أن تشمل التسهيلات عمليات الاستيراد للمواد اللازمة للاستثمار العقاري ما يساعد على تخفيض الأسعار وتحسينها.
اطلاع متكامل
رئيس الأمانة العامة للثوابت الوطنية الدكتور حسام الدين خلاصي أكد أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية على اطلاع تام بحركة الاقتصاد السوري بمختلف مناحيه منذ قبل الحرب بسبب العلاقات الإستراتيجية القديمة بين البلدين، ومع الحرب ومسار العمل المشترك بينهما في محاربة الإرهاب تمكنت إيران من الاطلاع بصورة أوضح وعن قرب عن حجم الدمار في كل مناحي الحياة السورية والذي خلفه الإرهاب ومعارك القضاء عليه.
وبما أن إيران متقدمة في مجال البناء والتشييد فإن ذلك يسمح لها أن تكون ممارسة لعمليات إعادة الإعمار عن خبرة ودراية .
و لأن لديها شركات ضخمة في مجال شق الطرقات وبناء الجسور إضافة لتشييد البنى التحتية للمدن وهذا يخدم عودة الحياة الطبيعية لكل المناحي التي دمرت في هذا المجال.
أيضاً إيران دولة رائدة في صناعة القطارات والحافلات والسيارات وكذلك مجال الصناعات الزراعية وصناعة المشتقات النفطية وكل ذلك يسرع عملية إعادة الإعمار على أسس الشراكة.
ومن الطبيعي أن تنحاز سورية لحلفائها في موضوع إعادة الإعمار لتوفر الصدق في التعامل والتبادل.
وإيران دوماً مع زيارة كل مسؤول إيراني سياسي يرافقه وفد اقتصادي وهندسي وآخر مختص في التجربة البلدية لتوسيع نطاق التعاون.
مستويات إستراتيجية
الباحثة الاقتصادية الدكتورة ريما أحمد تصف العلاقات السورية- الإيرانية بالمتميزة على المستوى الإستراتيجي في كل المجالات، حيث ما إن يكتمل تعاون حتى يفتتح آخر لتكون العلاقات السياسية موازية للعلاقات الاقتصادية بينهما والتي تشهد تطوراً مستمراً.
تبدو قطاعات الاقتصاد والتجارة والإسكان والنفط والصناعة والكهرباء والنقل والتأمينات والمصارف نقاطاً مهمة للجانبين للعمل نحو تطويرها .
وقالت أحمد : من المتوقع أن يشهد الخط الائتماني الإيراني تطوراً، خاصة أن المحور الرئيسي لزيارة الرئيس رئيسي إلى دمشق ستركز على المجالات الاقتصادية، خاصة أنه كان للبلدين تعاون ناجح في مختلف المجالات مثل الأمن ومكافحة الإرهاب، ويمكنهما الوقوف جنباً إلى جنب خلال فترة إعادة إعمار سورية، نظراً إلى إمكانات وقدرات إيران في المجالات الفنية والهندسية.
و وجدت أحمد أن الاهتمام بالنشاطات المصرفية ستكون له أهمية في التطور المقبل خاصة أن النشاطات المصرفية من أهم أدوات تنشيط الاقتصاد. وكذلك قطاع الطاقة الكهربائية وقد نشهد خطاً ائتمانياً جديداً للاستثمار في هذا القطاع من حيث إصلاح وإنشاء محطات توليد طاقة كهربائية جديدة ولن يكون هذا الخط الأخير .
وتوضح أحمد أن الخط الائتماني يعد طريقة مثالية للتعامل بين الأصدقاء في وقت الأزمات، وليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج طبيعي للسياسات الصائبة التي تتبعها الدول الصديقة عادة، فالعلاقات بين طهران ودمشق متجذّرة .
أبعاد تاريخية
من جهتها أكدت المهندسة مريم جودت فيوض أن العلاقات السورية- الإيرانية ليست مستجدة بل تاريخية، وبدأت بعد نجاح الثورة الإيرانية التي صوّبت مسيرة إيران لناحية اصطفافه إلى جانب القضية الفلسطينية ورسخته كبلد مهم ومحوري في المنطقة، وتم توطيد العلاقة الثنائية على مختلف الصعد واستمرت قوية وراسخة حتى هذا التاريخ لأنها وبكل بساطة تستند على أسس راسخة وواضحة تعتمد تحقيق مصالح كلا الشعبين على أرضية الاحترام المتبادل وتحقيق المصالح المتبادلة للبلدين عن طريق التعاون والتكامل في جميع المجالات وهذا ما تم تأطيره عبر العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم ولقد تجلى هذا التعاون بأوضح صوره بوقوف إيران إلى جانب الشعب السوري في قضيته العادلة بمواجهة الإرهاب العالمي والمؤامرة الكونية التي استهدفته، فكان لمساعدة إيران ودعمها الأثر المهم في تحقيق الشعب السوري لنصره في الجانب العسكري على المؤامرة الكونية وسحق المجموعات الإرهابية التي حاولت تدمير بلدنا ولم يتوقف التعاون والدعم الإيراني عند هذا الجانب بل استمر ما بعد إنجاز النصر العسكري بهدف تحقيق النصر الكامل وتحقيقه في الجانب الاقتصادي عن طريق كسر الحصار والعقوبات الظالمة المفروضة على بلدنا عبر العديد من الاتفاقيات وأهمها الخط الائتماني السوري- الإيراني الذي يؤمن للشعب السوري الاحتياحات الأساسية وعلى رأسها الطاقة والاحتياجات النفطية عبر تسهيلات ائتمانية تحقق لكلا الطرفين الفائدة الاقتصادية المرجوة، ولعلّ تجديد هذا الخط في هذا الوقت يعدّ رسالة قوية وواضحة أن الانتصار الذي حققه الشعب السوري بتضحيات أبنائه ودمائهم مستمر وما عجز الإرهاب وداعموه عن تحقيقه بالحرب لن يناله بالسلم عن طريق الحصار والعقوبات الأحادية الظالمة لحقوق شعبنا.
اقرأ أيضاً: