مكتبةُ منتصف الليل.. الانزلاقُ بين الحيوات!
تشرين- حنان علي:
«في مكان ما خارج حافة الكون ثمة مكتبة تحتضن كتباً لا حصر لها، تروي قصصاً إحداها تعرض أحداثك الشخصية، بينما تقصّ غيرها الحياة التي من الممكن اختبارها من جديد. قد نتساءل جميعاً كيف ستكون حياتنا لو أتيحت لنا الفرصة لزيارة تلك المكتبة لنرى مصيراً مختلفاً؟ فهل ستكون أي من هذه الحيوات أفضل حقًا؟».
تتبع الرواية خطوات امرأة بريطانية تبلغ من العمر 35 عاماً حزينة ومحبطة أتيحت لها الفرصة لتجربة حياة جديدة كانت ستعيشها لو اتخذت خيارات مختلفة من سنوات سابقة .«الإنسان حاله كحال مدينة، لا يسمح لبعض أجزائه التعسة بعزله عن الكل.. قد لا تعجبه بعض أحيائه الجانبية أو إحدى الضواحي البائسة، لكن ما انفك بعض التجديد يجعل حياته جديرة بالاهتمام ».
الشابة نورا سيد غير الراضية عن اختياراتها في الحياة سليلة الحسرات والآمال المحطمة، تحاول الانتحار مع حلول الليل في رحلة تأخذها إلى مكتبة تديرها السيدة إلم ..« كانت تعتقد في ساعاتها الحالكة حين فكرت في الانتحار، أن العزلة هي المشكلة، لكنها ليست بعزلةٍ حقيقية، فالعقل الوحيد في المدينة المزدحمة يتوق إلى الاتصال بالآخر اعتقاداً بأن الاتصال البشري هو المعنى الكلي للأشياء».
في مواجهة إمكانية تغيير حياتها للبدء في حياة جديدة واتباع مهنة مختلفة، والتخلص من المآسي القديمة، وتحقيق أحلامها في أن تصبح عالمة جليدية ؛ كان عليها أثناء سفرها عبر مكتبة منتصف الليل البحث داخل نفسها لتحديد ما يرضي الإنسان حقاً، وما الذي يجعله مستحقاً للعيش في المقام الأول..« حين ينتابك الفشل، اختر الظهور والتصرف والتفكير بالنسخة الأصدق منك.. احتضن ذاتك، أيدها، أحبها، اعمل بجد ولا تفكر ملياً باستهزاء الآخرين ، فإنّ جلّ النميمة حسد مقنع».
المكتبة الممتدة بين الحياة والموت، مترعة بملايين الكتب التي تكشف النقاب عن شكل حياتها فيما لو اتخذت قرارات مختلفة. تحاول نورا العثور على عمر يمنحها قدراً أكبر من المعنى، إذ تحاول لم شملها مع صديقها ثمّ تتزوج منه، ليفاجئها بحياة لم تكن تتوقعها على الإطلاق ، كما ترى نفسها عالمة جليدية تجري أبحاثًاً في أرخبيل سفالبارد في القطب الشمالي، في ظلّ حياة مختلفة تماماً عن تلك التي تحاول الهروب منها، لكنها ليست بالضرورة خياراً أفضل.
«كنت شخصيات عدّة، زرت قارات الأرض، ولم أعثر على حياة تناسبني، استسلمت بعدها لحقيقة أنني لن أعثر على حياة أرغبها إلى الأبد.. يسيطر عليّ الشوق للعيش بطريقة أخرى، وأكثرما أسعدني الخوض في عالم النسيان».
ونختتم برأي الكاتبة و الصحفية البريطانية كوين فولبي «الأمر الأكثر إقناعاً في هذه الرواية جعل القارئ يتأمل في حياته ومصيره.. إننا كبشر، نميل إلى الخلط بين تصورنا لأنفسنا وأهدافنا وبين الضغوط التي يمارسها الآخرون، خاصة أنه من السهل جداً تصديق أن الحياة ستكون «أفضل» لو اتخذنا بعض القرارات المختلفة، رغم أن ذلك ليس صحيحاً على المدى البعيد».
مات هيغ كاتب بريطاني وصحفي ولد سنة ١٩٧٥.. له العديد من الروايات، كتب أدب الواقع وكتب الأطفال، نشر أكثر من ٢٤ كتاباً ترجم معظمها إلى العربية من قبل دار الكلمات للترجمة والطباعة والنشر: (ملاحظات حول كوكب متوتر، كيف توقف الوقت، أسباب للبقاء حياً) فاز بعدة جوائز عالمية، يتم العمل على تحويل عدد من رواياته إلى أفلام سينمائية، بيعت له أكثر من مليوني نسخة في بريطانيا، وتمت ترجمة أعماله إلى أربعين لغة.