يبدو أن الاتحاد الأوروبي لم يعد قادراً على اتخاذ القرار المستقل النابع من المصلحة العليا لشعوبه، بل إنه يعيش في حالة من التيه والتخبط بين الركون إلى وجهة النظر الأمريكية أو اتخاذ القرار الصائب وفق وجهة النظر الأوروبية حيال أهم الملفات والقضايا العالمية.
يقول أحد المسؤولين الفرنسيين: «ينبغي على أوروبا أن تنظر إلى الصين بعين أوروبية وليس بعين أمريكية»، لكن هل وصل الأوروبيون إلى هذه القناعة؟ وهل قرروا فعلياً طيّ صفحة الغرور والتعجرف والانسياق خلف واشنطن، وحسموا أمرهم بالتعامل مع بكين من منظور المصلحة المشتركة التي ربما تجعل منهم قطباً فاعلاً من أقطاب العالم الجديد الآخذ في التكون والظهور، أم إنهم ما زالوا يمرون عبر متاهة الرؤية والقرار، التي ربما تضعهم على حافة إطار الفعل وربما خارجه بشكل مطلق؟
المتابع للتصريحات الأوروبية يلاحظ بما لا يدع مجالاً للشك مدى التردد وعدم القدرة على اتخاذ القرار الصائب سواء مع الحليف التقليدي المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية، أم الخصم المتخيّل المتمثل بالصين الشعبية، فعلى سبيل المثال يتحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن ضرورة أن تكون لدى أوروبا إستراتيجية مستقلة عن الولايات المتحدة، وتؤيده في ذلك أغلبية الزعماء الأوروبيين، على حدّ قول رئيس المجلس الأوروبي جوزيب بوريل، وبالوقت نفسه نجد هذا الرئيس ومعه الزعماء الأوروبيون ينساقون وراء واشنطن بشكل أعمى في عدائها للصين وعدم الاعتراف بأحقيتها في وحدتها السياسية والجغرافية مع تايوان، على حدِّ قول بوريل نفسه: «على الأوروبيين أن يسيّروا دوريات بحرية في مضيق تايوان»، متناسياً مدى حساسية هذا الملف بالنسبة إلى الصين، الذي قد يعيد العلاقات الثنائية إلى نقطة الصفر، فمتى تخرج أوروبا من متاهتها؟