تدهور الأوضاع في السودان فجأة، وتوقفت لغة الحوار وتعالت لغة الرصاص بين فريقين كانا حتى الأمس القريب حليفين وشريكين في الحكم وإدارة شؤون البلاد ، ولم تنفع النداءات والمناشدات من الأمم المتحدة ودول العالم المختلفة في التخفيف من التوتر ووقف إطلاق النار، وفي كل يوم يمر بل في كل ساعة تمضي تزداد أعداد الضحايا، ولا يظهر في الأفق أي بارقة للحل، فيما تمضي الأمور نحو الأسوأ.
من المعروف أن الصراع الداخلي من أخطر أنواع الصراعات على أي بلد وأي شعب، وينفتح مثل هذا الصراع عادة على الاحتمالات السيئة كلها بما فيها تقسيم البلد وتمزيقه، والسودان أضحى في قلب هذه الاحتمالات، ويحتاج إلى معجزة لانتشاله من هذا المصير الذي وصل إليه، وهذه الكارثة الدموية التي أحاطت به.
ما من شك أن جهات خارجية كثيرة تطمع بالسودان وثرواته الكبيرة التي يمتلكها وهي ترى أن أقرب طريق لتحقيق هذا الهدف هو تقسيمه وقد نجحت منذ أكثر من عشر سنوات في تحقيق الخطوة الأولى في التقسيم بفصل الجنوب عن الشمال واليوم ترى هذه القوى أن الوقت أضحى مناسباً لاستكمال مخطط التقسيم من خلال الصراع الداخلي المسلّح وتفجير فتنة دموية بين طرفي السلطة.
لا أحد يصدق أن فتنة كبيرة ومسلّحة تجري في السودان وتنفجر بهذا الشكل تتم من دون أصابع خارجية، ومن تابع الموقف الأميركي من الأحداث لا يستبعد أن تكون واشنطن في قلب ما يجري، فبغض النظر عن الثروات الهائلة البكر التي يمتلكها السودان فإنه يمتلك موقعاً إستراتيجياً مهماً كبوابة للقارة الأفريقية التي أضحت مسرحاً لصراع دولي بين الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا من جهة ثانية، وهذا الصراع المتنقل يظهر في أرجاء القارة كلها.
لم يكن ينقص السودان من مصائب حتى يأتيه هذا الصراع المرير الجديد، فهو ليس بحاجة لمزيد من الكوارث والمحن، لديه فائض منها منذ سنوات طويلة، والفتنة الجديدة أسفرت حتى الآن عن خسائر بالمئات من القتلى وبالآلاف من المصابين والجرحى، والباب مفتوح على مصراعيه لمزيد من هذا النزيف الدموي الهائل، وطاحونة الموت مستمرة ولا أحد يصغي لصوت العقل والحكمة إلى الآن، والخاسر الأكبر في هذا الصراع العبثي هو السودان وأهله وحاضر البلاد ومستقبلها.