عاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من زيارة الأيام الثلاثة إلى الصين، وعادت معه أفكاره القديمة المتجدّدة حول ضرورة استقلال أوروبا عن الولايات المتحدة وعدم البقاء في حال تبعية دائمة لها، ما يذكرنا بدعوته السابقة إلى إنشاء جيش أوروبي موحد بديلاً عن «ناتو» الذي وصفه في تصريحات سابقة بالميّت سريرياً.
لكن السؤال الذي يطرح ذاته: إلى أي مدى يستطيع ماكرون المضي قدماً في هذه الخطوات؟ وإلى أي مدى يستطيع ماكرون التأثير في القرار الأوروبي؟ وما الثقل الذي تملكه باريس داخل الاتحاد الأوروبي؟ وإلى أي مدى يمكن البناء على هذه التصريحات؟ وهل تلقى أذناً مصغية داخل الدول الأوروبية؟ وهل ترغب أوروبا فعلاً بوضع حد للتبعية العمياء لواشنطن بعد عقود طويلة، أم إنها ترغب بالسير قدماً في هذه التبعية وتريدها بأشكال مغايرة عن السابق تحفظ ماء وجهها أمام العالم المتحوّل؟
أسئلة كثيرة تطرح وببساطة لا يمكن الإجابة عنها لأنها رهن الموقف الأوروبي والمرحلة القادمة، ولا يمكن الإجابة عنها أيضاً لأن الأزمة الأوكرانية خير مثال على مدى الارتباط الأوروبي – الأمريكي، أضف إليها اتفاقيات «مينسك» التي فضحت الأكاذيب الأوروبية، ولو أن أوروبا تريد وترغب لكانت الفرصة مؤاتية جداً خلال الفترة الراهنة.
صحيح أن تصريحات ماكرون ليست جديدة، لكنها منفردة ولا يمكن البناء عليها والمغالاة في التفاؤل، ويمكن فهمها ببساطة بأنها محاولة تغريد خارج السرب ولن يكتب لها النجاح، كما يمكن ربطها بالظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها أوروبا عموماً وفرنسا خصوصاً إلى جانب حال الفوضى التي تعم الشوارع الفرنسية وتهدد المستقبل السياسي للرئيس ماكرون.
أضف إلى أن دعوة ماكرون لتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي خارج الحدود الإقليمية والعمل على تعزيز الصناعة الدفاعية وتسريع المعركة من أجل الطاقات النووية والمتجدّدة، تحتاج إلى اتفاقات وشراكات جديدة تماماً ومغايرة ومع قوى خارج السرب الأمريكي، كما أن موضوع تقليل الاعتماد على الدولار يحتاج سنوات، ولا نعلم إن بقي ماكرون إلى حينه رئيساً وبالتالي لا ندري توجهات الرئيس التالي عندها.
فكرة التغير والانعتاق من التبعية الأوروبية لأمريكا تتعلق بتغير منظومة بأكملها وليس بتغير فكر شخص واحد، ثم أن ماكرون يتحدث عن «الاستقلال الاستراتيجي» منذ مدة، لماذا لم نرَ خطوة أولى أو وحيدة تعطي بارقة أمل؟
هبا علي أحمد
325 المشاركات