الذعر المالي العالمي وإفلاس بعض البنوك الامريكية
تعيش الأسواق المصرفية العالمية حالياً ذعراً مالياً، وخاصة بعد الإعلان عن إفلاس العديد من البنوك الأمريكية، وتحديدا منذ 10/3/2023 ولا سيما الإفلاس غير المتوقع لبنك (سيليكون فالي Silicon Valley Bank الذي يختصر اسمه “إس في بيSVP)، والإفلاس كمصطلح اقتصادي يعبر عن الوضعية القانونية لشخص (طبيعي أم اعتباري) مدين ولكنه عاجز عن سداد ديونه والوفاء بالتزاماته تجاه دائنية بسبب اختلالات مالية لديه، وتعلن حالة الإفلاس بحكم قضائي وبمبادرة من الجهة المفلسة أو من الدائنين (أفراد مؤسسات- ضرائب …الخ) ، والإفلاس يتحقق عندما تكون إيرادات المصرف أقل من نفقاته، وإيرادات المصرف تتحقق بشكل أساسي من خلال تحقيق أرباح ناجمة عن الفارق بين سعر الفائدة الذي يدفعه البنك علىالودائع وسعر الفائدة المحقق من إقراضه للأموال للعملاء، وهنا من الضرورة التمييز بين ( الإفلاس Bankruptcy) للبنوك و( العجز Default) للدول، لأن الدول تقع في عجز لكنها لا تفلس، أي تعجز عندما لاتستطيع سداد الديون المترتبة عليها مع فوائدها المستحقة، ومن الناحية القضائية لا يمكن لأي هيئة قضائية مهما كان نوعها أن تضع يدها على ممتلكات الدولة لسداد مستحقات الدائنين في المواعيد المتفق عليها، ويتحول عجز الدولة إلى (عجز سيادي Sovereign Default) إذا تعلق الأمر بدين خارجي، وفي هذه الحالة قد تلجأ الدول العاجزة إلى المؤسسات المالية الدولية مثل (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك المشرق وبريكس.. وغيرها)
للاقتراض لسداد ديونها، وبالعودة إلى بنك (سيليكون فالي) ومقره (كاليفورنيا) وترتيبه 16 بين البنوك الأمريكية وتأسس قبل /40/ سنة وتحديداً سنة /1983/، وكان قبلة التوجهات لرؤوس الأموال المغامرة المخاطرة لكبار أثرياء العالم ومالكي شركات التكنولوجية التي يدعمها، حيث يملك أكثر من /50%/ منها وأكثر من /44%/ من شركات التكنولوجيا والرعاية الصحية في أمريكا، و له أيضا علاقات قوية مع شركات رأس المال الاستثماري في العديد من دول العالم، وكانت أصوله في نهاية سنة /2022/ بمقدار /209/ مليارات دولار وودائعه /175.4/ مليار دولار ولكن أكثر من/56%/ من ودائع عملائه في سندات الخزانة طويلة الأجل، وتضاعفت أصوله أربع /4/ مرات تقريباً بين عامي 2018 و2021، والخطورة تكمن في أن /97%/ من ودائع البنك كانت غير مؤمنة علماً أن البنوك الأميركية تمول عادة بحدود /30%/ من ميزانياتها من خلال ودائع غير مؤمنة؟!. وبرأينا كان على إدارة المصرف وأمام هذا النجاح المصرفي الكبير أن تتحوط وتدق (أجراس الإنذار) لأن القراءة الهادئة للتاريخ المصرفي العالمي تؤكد أن نمو البنوك بسرعة كبيرة عادة يترافق مع مخاطر كثيرة وإشارات حمراء كبيرة بسبب عدم قدرة إدارة البنوك بإدارتها وأنظمتها الحالية مواكبة هذا النمو السريع، وأنه قد تكون هناك (قنابل مصرفية موقوتة) سواء من ناحية رأس المال أو السيولة أو ..الخ، وهذه غير مرئية للمودعين كما حصل مع بنك سيلوفان حيث إن /55%/ من ودائع عملاء البنك كانت مودعة في سندات خزينة طويلة الأجل، وهذه تعتبر أصول آمنة نسبياً وكانت أسعار الفائدة الفيدرالية السابقة قريبة من الصفر /0%/، أما الآن فإنها ارتفعت من الفيدرالي الأميركي إلى حدود /4%/، ولم يكن للبنك أي تحوط في محفظته من السندات، ومعروف أنه كلما ارتفعت أسعار الفائدة كلما انخفضت القيمة السوقية للسندات، وهنا يكمن الخطر الحقيقي للمصارف الغربية من خلال تلاعبها بالأدوات والمشتقات المالية! وما زاد في المخاطر لبنك سيلوفان هو أن /97%/ من ودائعه غير مؤمنة، ومعروف أن البنوك الأميركية تمول عادة/30%/ من ميزانياتها من خلال ودائع غير مؤمنة وهذا بعكس الادعاءات الامريكية للشفافية المالية ومحاربة غسيل الأموال، وهذا تجلى بشكل واضح في الصدمة المالية للبنك صباح 10/3/2023 عندما تمّ سحب /42/ مليار دولار منه في يوم واحد وهو يوم الجمعة تاريخ 10/3/2023 (الجمعة الحزينة!)، وبعد إفلاس سيليكون فالي بدأت البنوك الغربية وخاصة الأميركية بالانهيار كأحجار الدومينو، ومنها بنك سيغ نتشر- سيلفر غيت وغيرها ، وهنا بدأ الكثير من خبراء الاقتصاد العالميين يتساءلون هل نحن أمام احتمالات عودة الأزمة الاقتصادية المالية العالمية سنة 2008، ونحن نرى أنه يوجد فوارق كثيرة بين الأزمة الحالية وأزمة 2008، ولكن كلتا الأزمتين مرتبطتان بخلل هيكلي في طبيعة النظام الاقتصادي للإمبريالية المتوحشة التي تعتمد على تمركز رأس المال في الغرب والتهميش الاجتماعي للدول والشعوب الأخرى، فهل سيفتح هذا الانهيار المجال لانهيارات أكبر أو التعامل مع عملات دولية أخرى بما فيها العملات المشفرة أم ستبادر أمريكا لتأميم هذه البنوك وبالتالي تفقدها مصداقيتها بأنها لا تتدخل في الأسواق بل أن الأسواق تنظم نفسها بنفسها، فهل المستقبل القريب يحمل الإجابة الكافية عن كل هذه التساؤلات!..