بانتظار إجراءات جزائية صارمة لم تُتخذ حتى الآن.. تهويل وسائل التواصل الاجتماعي يفاقم “فوبيا الزلازل”..
تشرين – باسمة إسماعيل:
بعد مرور أكثر من أربعين يوماً على الزلزال، لا يزال الكثير من سكان محافظة اللاذقية يعيشون حالة من الخوف والهلع عند شعورهم بأي هزة، كما أنهم لم يعودوا إلى حياتهم الروتينية ونسوا أشغالهم اليومية، لكن الأصعب هو حالات الخوف التي تملّكت الأطفال لدرجة لم يعودوا ينامون إلّا في السيارة، وآخرون لا يريدون العودة إلى منازلهم، وأطفال آخرون أصبحت لديهم حالات من السلس الليلي والتأتأة وقضم الأظافر.
الحل بمواجهة مخاوفنا وليس الهروب منها أو تجنبها
وقال عدد من الأهالي الذين التقتهم “تشرين” إنه لا يذهب من مخيلتهم ما حدث في الزلزال ولا يستطيعون العودة إلى منازلهم، وآخرون يلجؤون للمهدئات لكي يناموا، مؤكدين أن دور الجهات المعنية لم يكن مساعداً كثيراً في إخراج الناس من هذا الخوف، خاصة بعودة الناس لحياتهم الروتينية، وتمنوا لو أنهم أصدروا تعميماً بإغلاق أي صفحة أو موقع ينشر الخوف والهلع في نفوس الناس عن أخبار الزلازل والهزات، وخاصة التي لا تمت للعلم والمنطق بصلة، إضافة لتكثيف ضخ برامج توعوية وترفيهية للأطفال عن الزلزال وغيره عبر الإعلام المرئي ووسائل التواصل الاجتماعي.
كما أشار الأهالي إلى ضرورة توجه وزارة التربية أكثر للأنشطة الترفيهية أكثر من التلقين التعليمي لأن الأطفال حالياً بحاجة للترفيه وليس ضخ المعلومات التي لا يستوعبها الكثير بسبب الخوف الذي يتملكهم وأيضاً الأعداد الكبيرة في المدارس، وركز آخرون على موضوع الدعم النفسي والاجتماعي وهذا يحتاج إلى تكاتف أكبر بين الجهات المعنية والجمعيات الأهلية.
حدث استثنائي
الدكتور سام صقور اختصاصي نفسي وأستاذ مساعد بقسم الإرشاد النفسي في جامعة تشرين قال لـ”تشرين”: ردود فعل الناس القائمة على الخوف والذعر والقلق التي حدثت خلال الزلزال طبيعية، لكن استمرارية هذه المشاعر والانفعالات إلى الوقت الراهن ليس طبيعياً، وما ضاعف المشكلة هو الصدمات الثانوية التي حدثت بعد ذلك، كحديث الناس الدائم عن الزلزال والهزات وخصوصاً أمام الأطفال، كذلك متابعتهم وسائل التواصل الاجتماعي وما تقدمه من شائعات بعيدة عن الحقائق العلمية، جعلهم في حالة ترقب وانتظار للزلزال والهزات اللاحقة، أيضاً وجود أشخاص أصيبوا بنوبة ذعر وقلق ضمن البيت ينقل هذه المشاعر للأشخاص الآخرين في محيطه، كل هذه الأمور أبعدت الناس عن العودة إلى حياتهم الروتينية اليومية قبل الزلزال.
الإغاثة بالدعم النفسي والاجتماعي حاجة ملحّة وضرورية
وأضاف: أيضاً المبالغة في سلوكيات الأمان مثل وجود الناس في الشوارع والحدائق والسيارة ونومهم داخل الخيام، والسهر والتناوب فيما بينهم.. كل ذلك زاد المشكلة تعقيداً، فمن المهم كسر هذه السلوكيات ومواجهة الخوف، فحل المشكلة بمواجهتها وليس الهروب منها أو تجنبها.
وتابع صقور: الصدمات جزء أساسي من حياتنا لابد من إعطائها مفهوماً ومعنى إيجابياً، كالنظر إلى أن الزلزال حدث استثنائي، جعلنا نفكر بأن الحياة قصيرة ولن يأخذ الإنسان أي شيء معه إلّا العمل الحسن، وألا نوقف حياتنا برمتها على الأربعين ثانية التي حدثت.
تفاوت في الحالات
وعند سؤالنا عن الحالات التي تابعها والحلول قال: صقور من خلال الحالات التي تمت متابعتها في مراكز الإيواء، لاحظت أن هناك تفاوتاً في ردود الفعل تجاه الحدث، فهناك أشخاص بالأساس لديهم هشاشة نفسية، أي لا يتمتعون بالمرونة الكافية لمواجهة الصدمات، وآخرون تجلت ردة فعلهم بالهروب من الواقع نحو الإدمان والمخدرات، وبعض الأطفال انتابهم بعض المشكلات النفسية مثل السلس الليلي، أو قضم الأظافر والتأتأة، والخوف والذعر من العودة للمنزل.
وأشار صقور إلى أنه لابدّ من أن يبدأ الحل في مواجهة مخاوفنا، من خلال اختبار مشاعر الخوف والقلق والتعبير عنها والابتعاد عن تعاطي المهدئات أو المنومات، حتى لا يتم تطوير آليات الهروب والتجنب في وقت لاحق، لذلك يجب تقبّل الفكرة على قاعدة «غيّر ما يمكن تغييره وتقبل ما لا يمكن تغييره»، وأيضاً العودة لروتين الحياة اليومية وممارسة الأعمال الاعتيادية التي كان يمارسها الناس قبل الزلزال.
معرفة الفئات وتركيبة الأفراد
وعن موضوع الدعم النفسي والاجتماعي ودوره في مساعدة الأهالي، قالت الفنانة هيام سلمان رئيسة جمعية “أرسم حلمي” التي عملت منذ اليوم الأول على الدعم النفسي والاجتماعي: كلنا معنيون بتقديم المساعدة كل حسب إمكاناته، وموضوع الدعم النفسي يحتاج إلى معرفة بالفئات العمرية وتركيبة الأفراد، واختيار مَن يخاطبهم بطريقة صحيحة، ويعطيهم فرصة للتعبير عن ذواتهم وتفهم مخاوفهم والعمل على تقليصها وتلاشيها، لذلك قررنا كجمعية العمل على إخراج الأطفال من حالات الخوف والهلع التي مروا بها وتوعيتهم بأن الزلزال حدث طبيعي وتعريفهم بالزلزال وكيف يحمون أنفسهم من خلال معرفة أساليب الحماية وتشكيل وعي لديهم تجاه هذه المرحلة، وتشجيعهم على التعبير عن مشاعرهم بكل الطرق الممكنة.
وأكدت سلمان أنهم تواصلوا مع أهالي الأطفال وتم تنبيههم لمخاطر إظهارهم الخوف والهلع أمام أطفالهم ويجب ضبط انفعالاتهم، لأن الطفل يخاف عندما يرى أهله خائفين لهذه الدرجة، فالمبالغة بالخوف خطأ لأنه يتحول إلى هلع.
الطفل يخاف عندما يرى أهله خائفين والمبالغة بالخوف خطأ لأنه يتحول إلى هلع
وأضافت: منذ اليوم الثاني بعد الزلزال قمنا كجمعية بإطلاق مسابقة على الإنترنت بعنوان ” زلزال سورية المدمر” لإخراج أطفال الجمعية من حالة الخوف والهلع والتوتر التي تعرضوا لها، عبر تفريغ الطفل مشاعره ومشاهدته وتجربته بالرسم، وبعد ذلك أطلقناها بشكل عام لجميع الأطفال، فهناك كثير من الأطفال لا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم بالكلام، ويعبرون عنها من خلال الرسم، وبدأ الأطفال بإرسال لوحاتهم، حيث عبّر كل طفل عن الكارثة بطريقة أظهر فيها تجربته ومشاعره ومشاهداته لما رأى من هلع وخوف وقلق، والمكان التي اختبأ فيه، فهذه المسابقة ساعدتهم على إخراج مكنوناتهم النفسية، وأعطتهم دافعاً بأن الحياة مستمرة رغم كل الصعاب.
الدعم النفسي يحتاج إلى معرفة بالفئات العمرية وتركيبة الأفراد واختيار مَن يخاطبهم بطريقة صحيحة
وتابعت سلمان: بعد مرور شهر من الزلزال على مباشرة عملنا بتقديم الدعم النفسي للأطفال عبر نشاطين بالجمعية: النشاط الأول تعريفهم ما هو الزلزال، وماذا نفعل وقت حدوث زلزال أو هزات كبيرة، والإجراءات التي يجب فعلها لتجنب الأذى، ومشاركتهم في التعبير عن معرفتهم بالزلزال، وتلاه التقسيم الثاني وهو تقسيمهم لمجموعات تختار كل مجموعة من الأطفال شخصاً يسمون اسمه ويعبّرون عن مشاعره وأحاسيسه أثناء الزلزال، ورسم بعدها الأطفال الذين لم يشاركوا في المسابقة ليشاركوا فيها، وبالنشاط الثاني طلبنا من الأطفال توجيه رسالة شكر لمن يرغب بتوجيهها، وأغلب الرسائل كانت رسائل شكر سواء لله لنجاتهم، أو لوالديهم لإنقاذهم أو لأقاربهم الذين وقفوا معهم، وفي النشاطين قدمت الجمعية مجموعة هدايا للأطفال وسلة غذائية متنوعة فيها الكثير من المواد التي يفرح بها الأطفال مع دفتر رسم وألوان، مؤكدة أهمية الدعم النفسي من خلال تقديم الهدايا للأطفال من باب التحفيز.