«فنان بريشة فنان» مقاربةٌ فنيّة مُغايرة بين الذات والموضوع
تشرين-بديع صنيج:
مقاربة مختلفة حملها معرض «فنان بريشة فنان» الذي أقيم في صالة «عشتار» للفنون التشكيلية، إذ إن المسافة بين ذات الرَّسَّام وموضوعه فيها شيء مُغاير هذه المرة، إذ قام الفنان برسم ثلاث لوحات تتضمن كل منها بورتريهاً لأحد أصدقائه من المبدعين في الحقل التشكيلي، وذلك ببصمته الخاصة، مع محاولة لتصوير دواخل شخصياته وإبرازها على سطح اللوحة بالخطوط والألوان وغيرها من التقنيات.
أولى أعمال المعرض كانت ثلاثية للفنان إدوار شهدا موضوعها واحد هو الفنان غسان النعنع، وفق أنماط مختلفة من الإضاءة، حيث تبدو كأنها تنويعة في استقصاء روح الموضوع، مع التلاعب بشفافيات اللون والتنويع في إزاحة النور بغية الوصول إلى قراءات مختلفة في شخصية النعنع المعروفة بعشقها للضوء وتماهيها مع طيف الألوان، وتجدُّدِها المستمر واجتهادها في اقتناص الجمال بصيغة المضارع المستمر.
عبد الله مراد لم يرغب في أن يحدد موضوعه بدقة، بل تركه بصيغته المجهولة، إذ رسم ثلاث لوحات، صوَّرَ من خلالها ثلاثة فنانين، لكنهم غير معروفي الهوية، وكأنه بذلك حاولة مقاربة مفهوم الفنان، أكثر من تحديد ملامح خاصة به، فمرةً بملامح عابسة في فضاء متَّشح بالبياض، وأخرى نصف بورتريه يُصارع أفكاره على خلفية وردية، وثالثة مستكين في أسفل اللوحة بنصفي وجهين متعاكسين نوعاً ما، جاعلاً من الفنانين الثلاثة في طور التشكُّل، من دون صياغة نهائية لهم ولهواجسهم.
عصام درويش آثر أن يرسم ثلاثة بورتريهات لكل من غسان النعنع ولؤي كيالي ويوسف عبدلكي على ورق الذهب، مضيفاً إلى تصويراته ما يدعم تعبيرية لوحاته، فالنعنع مع ريشته، وكيالي مع يديه تحتضنان وجهه وتوازنان حزن عينيه مع الخلفية الحمراء، بينما عبدلكي ببورتريه جانبي مُفكراً بملامح قاسية نوعاً ما، والجميل أن تقنية هذه الأعمال الثلاثة تتغير مع تغير الإضاءة المسلَّطة عليها، فتتنوع الأحاسيس التي تبثُّها للمتلقي وفق ذلك.
ولا يتخلى غسان النعنع عن شفافياته اللونية المميزة في جميع اشتغالاته، ومنها الأعمال الثلاثة التي قدمها في هذا المعرض، الأولى للفنان نذير نبعة بيدين متكاتفتين ووجه نصفه مضاء على خلفية محايدة تبرز درامية خاصة للبورتريه، ويصور في عمله الثاني إدوار شهدا باسماً مع انتباه إلى طيبة وجهه واندغامه مع المحيط حوله، بينما تأتي لوحته عن الياس الزيات في أبهى تجلياتها بما تحمله من قوة تعبيرية هائلة، ولاسيما في تصويرها للأنفة التي يتمتع بها «المعلم» كما يصفه المشتغلون بالحقل التشكيلي، إلى جانب التركيز على نظرته نحو البعيد في تجسيد لرؤية لا تخيب.
الدكتور فؤاد دحدوح شارك بأربعة أعمال بتقنية الميدالية لكل من محمود حماد وإحسان عنتابي ونصير شورى، حيث تتمتع الملامح النافرة بطزاجة هائلة، وقوة في الخطوط، وتركيز على تجاعيد الوجه، مع اهتمام فريد بالنور والظل، وللأسف أن ميدالي شورى كانت صورة عن الميدالية الأصل، والسبب أنها سُرِقَت من القاعة المسماة باسمه في كلية الفنون الجميلة، والقالب المخصص لها لم يعد موجوداً، لذا تعذرت إعادة صبِّها على شكل أيقونة.
من جهته، الدكتور نزار صابور شارك بنواميسه التي عرضها سابقاً ضمن صالة المركز الوطني للفنون البصرية، وفيها تصوير ليوسف عبدلكي محوطاً بهالة نورانية، وفي الخلفية تصوير لمسمار معوجّ شبيه بما يشتغل عليه عبدلكي بتقنية الحفر، اللوحة الثانية للفنان فاتح المدرس على خلفية لعمل من الأعمال المشبعة باللون الأخضر تتوزع عليها نساء متوهجات باللون، أما ثالث الأعمال فيصور فيها صابور غسان النعنع مع شفافيات لونية تقارب أعماله الأثيرة على قلوب متابعيه.
جبران هدايا أيضاً شارك بثلاثة أعمال جاءت لدقة اشتغالاتها والعناية المميزة بالضوء واللون أقرب إلى الفوتوغراف، فمن يشاهد لوحاته لفاتح المدرس ولؤي كيالي وعصام درويش يخال أنها صورة ملتقطة قديماً، وذلك بسبب المناخ اللوني الكتيم الذي اختاره هدايا، لكن مع ذلك فإنها تعدّ إثباتاً لمكانته المميزة بين الملونين السوريين.
وإلى جانب تلك الأعمال ثمة مجموعة لوحات من مقتنيات صالة عشتار ضمت مجموعة لوحات واسكتشات تحمل تواقيع عدد من أشهر الفنانين التشكيليين السوريين الرواد، ومنهم جورج عشي ونجاة قصاب حسن وأحمد إبراهيم ومجموعة أعمال بتوقيع فاتح المدرس.
وبعيداً عن الأسماء اللامعة شاركت في المعرض الطفلة إليانور كنج بلوحتين جسدت فيهما ممتاز البحرة وحيدر اليازجي بألوان مائية ونسب تشريحية صحيحة، ما يعبر عن موهبة واعدة في المستقبل.