فرقة عازفي دمشق تصطحبنا برحلة إلى موسيقا «الباروك»
تشرين- بديع صنيج:
اصطحبتنا فرقة عازفي دمشق لموسيقا الباروك في دار الأوبرا السورية ضمن رحلة في هذا النمط اللحني المفعم بالعواطف والأحاسيس والمنتمي إلى الفترة الزمنية بين عامي 1580 و1750، لمؤلفين من جنسيات مختلفة إيطالية وألمانية وإنكليزية وفرنسية.
تكونت الفرقة التي أشرف عليها مهدي المهدي من مجموعة آلات وترية هي الكمان الأول (يارا العسة، جورج أبو شعر) الكمان الثاني (ديمة خير بيك، جورج سعد)، الفيولا (قيس أبو فخر، ملهم المسعد)، التشيللو (قره بيت أرسلانيان)، الكونترباص (سارة سنجار) إضافة لآلة الكلافيسان (طارق شرابي) التي تشكل مع التشيللو والكونترباص القاعدة الهارمونية الأساسية لموسيقا هذا العصر والتي تسمى Basso Continuo.
المعزوفة الأولى كانت كونشيرتو للوتريات والكلافيسان من تأليف الإيطالي أنتونيو فيفالدي، والمتعارف عليه أن الكونشيرتو يكون حواراً لآلة موسيقية بمرافقة بقية آلات الفرقة، لكن في هذا العمل لم تكن البطولة مفردة، وإنما جماعية أبرزت جماليات اللحن البوليفوني الذي يميز تلك المرحلة من تاريخ الموسيقا، وذلك وفق ثلاث حركات: سريعة ثم بطيئة فسريعة.
العمل الثاني سينفونيا رقم أربعة بتوقيع الألماني غيورغ فيليب تيليمان، أحالتنا إلى شخصية الباروك الألماني الأكثر صلابةً من نظيره الإيطالي، فضلاً عن أنها عرَّفتنا على الشكل البدائي لما بات يُعرَف لاحقاً في العصر الكلاسيكي للموسيقا بالسيمفونية، إذ تألَّفت السينفونيا من أربع حركات تؤديها الفرقة مجتمعة.
ومن فرنسا قدمت فرقة دمشق لموسيقا الباروك متتالية السلطان للوتريات والكلافيسان للمؤلف فرانسوا كوبيران، مجسدةً نمطاً لطيفاً، هو مجموعة رقصات متسلسلة ومُسليّة، ولعلّها إحدى مظاهر التأثر الغربي بالحضارة العربية، فمع نهاية عصر الأندلس انتشر نمط موسيقي له علاقة بالموسيقيين الجوالين يدعى «تروبادور» يكون فيه مغن يرافقه عازف على آلة اللوت التي تشبه آلة العود الأسبق في الزمن.
ذلك كان في عصر النهضة السابق للباروك، لكن في الفترة الباروكية تم تطوير هذا النمط ومزجه مع الموسيقا الكنسية، أي تم جمع الموسيقا الدينية بالدنيوية وجعلها مشحونة بالعواطف والانفعال.
العمل الرابع في الأمسية كان من تأليف الإنكليزي هنري بورسيل بعنوان ثلاث مقطوعات للوتريات، ولعل أكثر ما يميزها هو جمعها للرصانة الألمانية مع الغنائية الإيطالية، وهو ما جعلها في المنطقة الوسط من ناحية الأحاسيس والزخرفات الباروكية.
واختتم حفل الأوبرا بترنيمة «آفي ماريا» (الأم العذراء) للمؤلف جوليو كاتشيني بمشاركة مغنية السوبرانو حنين الحلبي التي أبرزت مقدرات صوتية مهمة وإمكانية في تلوين دراما حنجرتها في تجسيدها التضرع للسيدة مريم عليها السلام، وكانت هذه المقطوعة كما أوضح المشرف على الحفل مهدي المهدي بمثابة صلاة لأرواح ضحايا الزلزال الذي أصاب سورية في السادس من شباط الماضي.
وفي حديث لـ«تشرين»، بين المهدي أننا كشعوب عربية نحمل جانباً عاطفياً كبيراً بشخصيتنا، وهو ما يجعلنا قادرين على أداء هذا النوع الفني بكل جدارة، وإبراز جماليات المقطوعات المبنية على النمط الموسيقي البوليفوني.. وأوضح أن ما يميز البوليفوني عن الموسيقا الهارمونية التي تحوي لحناً رئيساً وألحاناً مرافقة، بأنه في النمط البوليفوني هناك عدة أصوات موسيقية متزامنة مع بعضها، ولكل منها الأهمية ذاتها، وهو ما يجعل كتابتها معقدة بالشكل لكنها لحنية أكثر وتالياً جميع العازفين يكونون أبطالاً منفردين.
ومن الجدير ذكره أن فرقة دمشق لموسيقا الباروك كانت موجودة سابقاً وأشرف على تدريبها الدكتور نبيل الأسود، إلى جانب ورشات أشرف عليها الموسيقي الإيطالي ماركو فيتالي Marco Vitale في المعهد العالي للموسيقا.
ومهدي المهدي كان من أعضاء هذه الفرقة في عام 2014 وشارك معهم في عدة حفلات ومهرجانات خلال سنوات عدة، وأوضح أنه أحب إعادة إحياء هذه الفرقة من جديد لنقل خبرته التي اكتسبها في هذا النمط الموسيقي إلى الأجيال الجديدة، ولتكون هذه الفرقة وسيلة لرفد الحركة الثقافية والفنية الجادة في سورية بنمط موسيقي نوعي، وقريب لنا في الوقت نفسه، لكونه ينتمي لعصر كانت فيه موسيقىا الحضارات والشعوب حول العالم متقاربة إلى حدٍّ ما.