كل التضامن مع سورية في محنتها.. زلازل طبيعية وأخرى سياسية تضرب المنطقة
تشرين- إدريس هاني:
كنتُ قريباً هذه الأيام من منطقة الزلازل، وبسبب تغير الرحلات من بغداد إلى تركيا، عشتُ مشاعر الناس تجاه الزلزال الذي ضرب عدداً من المناطق في تركيا، كما تابعت وقائع الزلزال الذي ضرب مناطق في سورية، كان الوضع أليماً، ولاسيما في ظل موجة من البرد الشديد، وفي ظل ترقب شديد وتخوف الناس من أخبار ترشّح مناطق أخرى لوقوع زلازل أخرى.
الطبيعة تجاوزت السياسة، لترسم مشهداً أكثر إيلاماً، ربما لم نكن بحاجة إلى دبابات للقيام بكل هذا الخراب والخسائر في الأرواح، كما جاء في كاريكاتير لشارلي إيبدو البغيضة، التشفّي في كارثة الزلزال الذي ضرب سورية وتركيا ومناطق أخرى، اختبار لإنسانية غرب مازال يكشف عن ازدواجيته تجاه القضايا الإنسانية في الشرق الأوسط، بل ما زال يؤكد أنّ شعوب المنطقة المنكوبة ليست أهلاً لبرامج الإغاثة الدولية الجادة، وقد انتظروا لتمنح الأمم المتحدة الضوء الأخضر، ومع ذلك تظلّ سورية في مواجهة الجائحات والآفات الطبيعية في ظلّ «قانون قيصر» سيّىء السّمعة، قانون بات مكشوفاً كأخطر وسيلة لتجويع شعب بأكمله.
الزلزال هو في الوقت نفسه أكبر فضيحة للذين لم يرعووا في هذا الحصار المشؤوم.. زلازل وصقيع وغياب ما يكفي من المحروقات، وانهيار العملة، وما زالت السياسة الدولية تعربد في سورية، ماذا بقي من وسائل التخريب لنعلن أنّ سورية تتعرض للإبادة الدولية؟
«قانون قيصر» ليس عدواناً أمريكياً فُرض من جانب واحد فقط، لمعاقبة شعب بأكمله، قالوا يوماً إنّهم معنيون بتحريره عبر تخريب كيان وتحقيق انقلاب على نظام، اليوم هناك غياب لأي مبادرة تضامنية حقيقية، «قانون قيصر» كما ذكرت ليس مسؤولية محصورة بالغرب، بل كل من شارك الغرب في محاولة «الإطاحة» بسورية هو شريك في نجاح هذا القانون، وكل من أعلن أو أخفى إعلانه، لكنه دعم وتآمر وداهنَ وصمت، هو شريك في «قيصر»، سورية محاصرة مند 2011، وقبلها بسنوات كانت تعيش أشكالاً من العزل، وليس اليوم فقط.
اليوم يفترض أن يُؤسس صندوق لدعم ضحايا الزلزال، كل قدر ما يستطيع، ومسؤولية المتمولين مضاعفة، من أصدقاء سورية الحقيقيين، وليس ممن طلع عليهم النهار بعد أن صمتوا وداهنوا ولعبوا على كل الحبال، ولا ندري بأي وجه قبيح يقفزون إلى الواجهة بعواطف مزيفة تجاه شعب عانى الأمرّين من التدخل والمؤامرات والعدوان والخذلان المبين، بمزايدات «مفشورة»، إن صحّ التعبير.
سورية بحاجة إلى تضامن حقيقي، وليس إلى مسرحيات سياسوية، تدخل في نطاق الاستغلال السياسي للنكبة والحصار وبيع الوهم والمتاجرة في القضايا، بل إنّ النظام الدولي مُطالب بإعادة النظر في «قانون قيصر» وفي كل السياسات التي تسببت وضاعفت من نكبة الشعب السوري الذي يعيش أعنف وأطول عدوان خلال العشرية الأخيرة، والأمر نفسه يتعلق بجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وهذا لا يمنع من الإشارة إلى أهمية المساعدات التي تلقتها سورية من بلدان كثيرة ومن جهات مدنية، والمطلوب المزيد، ومن دون منٍّ و«تربيح جميل»، لأنّ سورية حاربت من أجل مجد العرب، وصمدت في وجه زلزال سياسي كبير.
اليوم هذه فرصة لمن زعموا أنهم راجعوا مواقفهم، أن يكفّروا عن خذلانهم، وذلك باستنفار كل الإمكانات لنصرة سورية بالفعل، كما حصل حين أقام تيار الإخوان جسوراً للدعم في أفغانستان والبوسنة، لنختبر التبرعات والنيات الحسنة، فسورية ليست بحاجة إلى الكلام فقط، بل إلى جسور لنقل المساعدات.. أين المتباكون على الشعب السوري، أصدقاء الشعب السوري؟ أين صدقات وزكوات وتبرعات التيارات إيّاها؟ أين الدول التي رعت العنف في سورية تحت يافطة الدفاع عن الشعب السوري؟ أين الائتلافات وكل الذين ترعاهم المنظمات الأجنبية ممن قدموا أنفسهم حُماة الشعب؟ انتهت فصول المسرحية، وانتهت الرهانات على السلطة، فانتهت العواطف المزيفة تجاه شعب يبدو أنه يُعاقب من أولئك الذين تواطؤوا مع «ناتو» من أجل حيازة السلطة في سورية عبر التدخل والعنف والدعاية.
زلزال سورية علامة على أنّ الحرب على هذا البلد لم تكن غايتها سوى تخريب كيان وتحطيم قلعة منيعة، وهذا ما عبّرنا عنه منذ بدء الأزمة أمام من انخرط في الحرب على سورية، أو أولئك الذين عانقوا – طوال هذه العشرية- من تآمر على سورية، كفى لعباً على الحبال، كفى استغباء للعالم.