شباط والمستقرضات.. «رية العجائز» في التراث الشعبي السوري
تشرين- باسمة إسماعيل:
من المعروف عن شباط أنه شهر يخاف منه العجائز، لاعتقادهم بأنه شهر تكثر فيه حالات وفاة كبار السن فيه، إذ تبين المعمرة أم علي عزيزة، التي زاد عمرها على ١٠٠ عام، لـ”تشرين” أن الكبار يخافون من شباط لأن موتهم يكثر فيه، وهذا مرتبط بالقصة المتداولة شعبياً بأنه كانت هناك عجوز لديها عدة أغنام تسكن بجانب وادٍ، وعندما اعتدل الجو في أواخر شباط وأصبح دافئاً سرّحت أغنامها لترعى، وبدأت تردد: “فات شباط الخباط وما أخد مني ولا نعجة ولا رباط، وضربنا على ظهره بالمخباط” والمخباط هو قطعة خشبية كنا نستخدمها لتنظيف الصوف، وعندما سمع شباط كلام هذه العجوز غضب، وطلب من أخيه آذار أن يستقرضه ثلاثة أيام من أيامه الأخيرة لتموت العجوز، وتضيف: بالفعل هطلت الأمطار بغزارة واشتد البرد ما أدى إلى سيل الأدوية وجرف العجوز وأغنامها، وأصبحت هذه القصة في الذاكرة لدى أهالي قرى الساحل، وترى أغلب العجائز يخافون من شباط ويسمون “رية العجائز أو أيام العجائز”.
القصة متداولة
بدوره، أكد الرجل الثمانيني أبو علاء سليمان أن القصة متداولة في موروثنا الشعبي، وأغلب العجائز يخافون من شباط ويعتكفون بالمنزل، وشخصياً كنت أسمع القصة من صغري من الآباء والأجداد، وأعتقد ومازلت إلى الآن بأن الرابط في الحقيقة ليس الخوف من شباط، بل الكبار يؤثر فيهم البرد أكثر من الشباب، ويصبحون أكثر عرضة للأمراض، والموت بيد الله ومتى يشاء.
باحث: الموروث الشعبي جزء من الذاكرة والثقافة
من جهتها، رأت السبعينية عليا أن الأعمار بيد الله، وماذا ينفع الخوف وأجلك قادم، ومذ كنا صغاراً نسمع هذه القصة، وكثير من العجائز يخافون شباط، لكن هذا العام لم يأتِ الخوف فقط على العجائز، بل على الكل صغيراً وكبيراً بسبب الزلزال والحرب التي مرت على سورية، أصبحنا نخاف على أولادنا وأحفادنا، نحن رأينا من جمال الحياة الكثير لكن هم يا أسفي عليهم، عندما أنظر لأعين أولادي وهم يطمئنون علي وعلى والدهم، ويطمئنوننا بأنهم بخير، أحزن كثيراً على أعمارهم التي باتت رغم صغر سنها كبيرة، ولا نقول إلّا الحمد لله، الموت حق ولكن الفقد صعب، شباط هذا العام ليس فقط العجائز من يتمنون أن يمر بسلام، بل جميع السوريين يتمنون أن يمضي بسلام وخير.
الموروث الشعبي
الباحث في التراث الشعبي نبيل عجمية أوضح لـ”تشرين” أن الموروث الشعبي سواء المتعلق بالقصص أم الحكايات أو الشعر أو كل أنواع الموروثات الشعبية يشكل جزءاً من الذاكرة والثقافة، لذلك له تأثير في المجتمع، فالموروث الشعبي تتناقله الأجيال ويتوارثونه، ويصبح جزءاً من سلوكهم وهويتهم، وقصة «المستقرضات» أو «رية العجائز» أو برد العجائز في شهر شباط البارد تغادر معظم المسنات الدنيا.
وأضاف عجمية: في الموروث الشعبي تمتزج القصة والخيال بالحقيقة والواقع، وتروى الحكايات لتفسر بعد الظواهر التي تحدث في الحياة، وتبقى جيلاً بعد جيل. وما أجمل حكايات الأجداد.