جون أوتس.. وداعاً
تشرين- سناء هاشم:
الكثير من علماء الآثار الأجانب أحبوا التراث السوري وأمضوا أكثر سنوات حياتهم في العمل بحقوله، وكانت البروفيسورة البريطانية جون أوتس من أهم أعمدة علماء الآثار الذين عملوا في حقول التنقيب السورية،
رحلت أوتس اليوم تاركة خلفها بصمات واضحة في مجال علم الآثار، وسجلاً حافلاً بالعديد من الاكتشافات الأثرية.
وبرحيلها خيّم الحزن على عالم الآثار ليس في سورية فحسب وإنما على كل من يعرف أعلام وخبراء الآثار والتاريخ في العالم، فقد رحلت أوتس، عن عمر ناهز الـ 95 عاماً، بعد أن أفنت أكثر سنوات حياتها في ذروة عطائها بين المواقع الأثرية السورية التي لطالما أسرتها بقدمها وعراقتها الموغلة في التاريخ.
كيف يكون الأمر غير ذلك وهي التي عملت بحب وشغف العمل الأثري مع زوجها عالم الآثار “ديفيد أوتس” بالتنقيب في موقع تل براك الأثري “النجار قديما” الواقع غرب نهر جغجغ أحد روافد نهر الخابور وعلى بعد 42 كيلو متراً عن مدينة الحسكة.
فقد شهد”تل براك” الذي عملت فيه أوتس والذي كان مقراً لنارام سين، أحداثاً مهمة امتدت خلال حقبة طويلة من الزمن (من الألف السادس إلى الألف الثاني قبل الميلاد)، وانصبّ جهدهما في السنوات الأولى على دراسة معالم المدينة في الألف الثالث قبل الميلاد، وبشكل خاص خلال الحكم الأكادي، إذ جعل الحكام الأكاديون منها مقراً إدارياً لمملكتهم.
وفي الثمانينات ركزت عالمة الآثار الراحلة وزوجها على تاريخ المدينة خلال الحكم الميتاني في النصف الثاني من الألف الثاني وجهدا في الكشف عن طبقات الألف الرابع قبل الميلاد، أي عصر حضارة أوروك، حيث كان تل براك في ذلك العصر من أكبر المدن في غرب آسيا.
هذا وشكّل نبأ رحيل أوتس التي عرفتها بلادنا من خلال تنقيباتها الأثرية والاكتشافات المهمة، حزناً شديداً بين علماء الآثار السوريين والذين نعوها عبر صفحاتهم.. عملت أوتس منذ عام ١٩٧٦ حتى عام ١٩٩٣ في موقع تل براك الأثري وساهمت مع زوجها في الكشف عن مستوطنة معاصرة لمواقع الألفين الرابع والثالث قبل الميلاد في العراق إضافة إلى الكشف عن قصر شيده الملك الأكادي نارام سين.. كما كان لعالمة الآثار أوتس إسهامات كبيرة في العمل الأثري خاصة في مسح المواقع الأثرية في ديالى وتنقيبات موقع جوخة مامي والنمرود وتل الرماح.
الجدير ذكره أن عالمة الآثار البريطانية جون أوتس كانت متخصصة في تاريخ الشرق الأدنى القديم، بدأت حياتها المهنية كمساعد أمين متحف متروپوليتان للفنون في مدينة نيويورك. وفي عام 1951 شاركت أوتس في أعمال التنقيب عن الآثار في العراق وسورية. وحصلت على زمالة گوگنهايم بين عامي 1966-1967. في عام 1971 تم انتخابها زميلة في كلية گيرتون في جامعة كامبريدج. ومنذ عام 1981 شاركت في أعمال التنقيب في كل من تل براك وجوخة مامي ونيپّور ونمرود. ثم أصبحت محاضرة في تاريخ وآثار الشرق الأدنى القديم في جامعة كامبريدج منذ عام 1989. وبين عام 1988-2004 شاركت زوجها ديڤيد أوتس في إدارة حفريات تل براك ثم أصبحت مديرة التنقيبات عام 2004 بعد وفاة زوجها، وفي عام 1995 تقاعدت من العمل الأكاديمي وتم تعيينها زميلة مدى الحياة في كلية گيرتون، وفي العام ذاته صارت زميلة أولى في معهد ماكدونالد للبحوث الأثرية في كامبريدج، وكذلك تم انتخابها زميلة في الأكاديمية البريطانية. وفي عام 2014 حصلت على ميدالية گراهام كلارك لآثار ما قبل التاريخ من الأكاديمية البريطانية.