مسابقة رسم للأطفال تلفت نظر اليابانيين إلى معاناة السوريين
تشرين-جواد ديوب:
سيلزم أطفالنا الذين مرّت كارثة الزلزال من فوقهم مثل مدحلة، الكثير من الوقت حتى يُشفوا من هذه الفاجعة، سيلزمهم صبرُ القديسين وأملُ العابدين والكثير الكثير من النحت في صخر الألم الذي تراكم فوقهم!
لكن، لعلّ لمسة الفن السحرية تكون بمثابة علاج، ولو مؤقّت، أو بمثابة مُسكّنٍ لفزعهم، ومتنفساً لصرخات الرعب الكامنة في أعماقهم، لعلّ الرسمَ يكون طريقاً يبدّلون عِبره شظايا البيوت المهدومة إلى أقواس قزحِ اللعبِ المُسلّي، والنوافذَ والأبوابَ المخلوعة إلى ستائر الأحلام الهانئة.
ولذلك، وانطلاقاً من مبدأ «ضرورة الفن»، كما هي ضروريةٌ لوازمُ الحياة الأساسية، أطلقت الفنانة هيام سلمان مديرة جمعية «أرسم حلمي» الفنيّة مسابقةَ الرسم التي أعلنت عنها عبر صفحتها على الفيسبوك.
«تشرين» سألتها عن تفاصيل المسابقة/الفكرة… فقالت:
«ارتأينا إقامة هذه الفعالية بدايةً على مجموعة الواتس الخاصة بطلاب جمعيتنا الفنية «أرسم حلمي» في محافظة اللاذقية، وهي مسابقة مقسومة إلى ثلاث مراحل عمرية بدءاً من عمر الأربع سنوات إلى الخامسة عشرة، والفكرة هي أنه يمكن للطفل أن يرسم، من أي مكان يوجد فيه، ويرسلَ لنا اللوحة على شكل مرفق إلكتروني، والموضوع الأساس هو: وصف مشاعر الطفل أثناء وبعد حدوث كارثة الزلزال، أن يرسمَ مشاهداته ومشاعره من خسارة وفقدان أو خوف ورعب أو حتى إحساسه بالنجاة والأمان في أحضان ذويه بعد تلك الليالي المرعبة».
أسألها: كيف ترين أهمية وضرورة هذه الفكرة في وقت لا تزال الكارثة فيه «ساخنةً مثل جرح مفتوح»… إذ قد يقول أحدُهم: أهذا وقتُ اللعبِ والتسلية؟
توضّح سلمان: «المسابقة ليست أبداً ترفاً فنيّاً أو أمراً زائداً لا أهمية له، بل كان لا بدّ من أن نقيمها لأن الرسمَ وسيلةُ علاج ناجعة، ومعروفة عالمياً، تُمّكن الطفل -حين ينزوي وحده- مِن أن يُخرجَ إلى العلن ما يؤلمه أو يفرحه من دون خجل، وأن يحكي رأيه وهواجسه بالأشخاص أو بالأحداث من حوله من دونَ إحساسٍ بالإدانة، والشيء المهم أيضاً في وسيلة العلاج هذه، هو ألّا تبقى تلك المشاعر محبوسة أو مكبوتة لدى الطفل وتالياً تصبح أمراً مشوِّهاً لروحه وجسده ولكل أفعاله الحاضرة والمستقبلية».
وتضيف الفنانة سلمان (وهي ممن وصلت لوحاتها المشغولة بطريقة «الكولاج» إلى اليابان وتمت الاستفادة منها لصنع شالات يابانية نسائية):
«المفاجأة هي أنه، وخلال أسبوع واحد فقط، وصلنا عددٌ كبير من اللوحات، نشرتُ بعضها على صفحتي الشخصية، الأمر الذي لفتَ نظرَ الأصدقاء في اليابان، فطلب أحدهم أن نرسلَ له هذه اللوحات ليصار إلى عرضها على الجمهور الياباني وليجمع من خلال الحديث عنها وعن المأساة مساعداتٍ لمتضرري الزلزال، نرسلها لهم لاحقاً عِبر صندوق جمعية «أرسم حلمي» في اللاذقية».
منجاةٌ من القهر!
اللافت فعلاً حين شاهدتُ تلك اللوحات، هو أن طريقة رسم الأطفال تشبه كثيراً هلوسات الأحلام، أو كأنها فيلمٌ خياليٌ غرائبيٌّ أعيدت فيه عمليةُ مونتاج سِحرية مُدهشة لكل المشاهد الواقعية المحيطة بأولئك الأطفال، إذ نشاهدُ مثلاً وجهاً باكياً على كامل مساحة اللوحة بينماا بقية الموجودات تتناثر حوله من دون مراعاة لنِسب الرسم الصحيحة أو للحجوم وتناسبها وطريقة تموضعها في الواقع، وفي لوحة ثانية نشاهد السماءَ تبكي لؤلؤ دمعها، وفي الثالثة سيارة إسعاف سابحة في الهواء بينما مجموعة أطفال يمسكون أيدي بعضهم البعض طلباً للحماية أو في حلقة لعب كمحاولة للنسيان أو في محاولةٍ لعدم الموت قهراً وحزناً على مَن رحلوا!
نسألُ الفنانة سلمان: إلى متى ستستمر المسابقة؟
تقول: «بعد المشاركات الكثيفة، ورغم أن الكارثة ومفاعيلها لا تزال مُربِكة ومُقيِّدة، قررنا أن نُعممَ التجربة على شكل «أون لاين» لكل أطفال سورية، وأن نمددَ فترة المشاركة حتى نهاية آذار، ثم من الممكن أن نطلب اللوحات الأصلية لنعرضها في معرِض حقيقي واقعي وهذا ما يدعمهم نفسياً ومالياً في حال قرر أحدٌ ما شراء تلك اللوحات».