للحدِّ من ظاهرة زواج الأطفال خبير قانوني يدعو إلى حذف الاستثناء الوارد في المادة(١٨)
تشرين- دينا عبد:
بحرقة كبيرة ودّعت سميرة ابنتها التي أتمت عامها السادس عشر بعد أن تم تزويجها وسفرها خارج القطر.
لم يكن باليد حيلة، فلا هي تستطيع منع هذا الزواج، ولا والدها الذي ضاقت به الدنيا، من كثرة الديون وإيجار المنزل الذي تراكم عليه أشهراً كثيرة، فوجد الحل في تزويجها من رجل يكبرها بعشرين عاماً لعلّ وعسى تتحسن الأحوال إذا أرسلت لهم ما يسد الرمق.
والأسبوع الماضي احتفلت إحدى العائلات في الحي الذي أقطن فيه بزواج ابنتها وهي في الصف التاسع أي بعمر الخامسة عشرة؛ فبدلاً من أن تتلقى التهاني بتزويجها تلقت صفعات الكلام الجارحة بالجريمة التي ارتكبتها، وهي تزويج ابنتها الطفلة التي لم تزل تعتمد على والدتها حتى في الاستحمام.
وترجع هذه السيدة أسباب تزويج ابنتها إلى الحالة الاقتصادية السيئة التي تعيشها، فلديها من الأطفال ٦ أكبرهم ابنتها التي تزوجت..
وهنا نسأل: هل الوضع الاقتصادي السيئ جعل الأولياء يزوجون بناتهم، وكيف نقنع الأهل بعدم تزويج بناتهم في عمر صغير، من يتحمل قلة الوعي بما سيحدث مستقبلاً؟
برأي د.ياسر كلزي عضو اللجنة الوطنية لحقوق الطفل: إنّ المتأمل في نصوص القانون السوري المتعلقة بمنع زواج الأطفال (أو ما يطلق عليه زواج القاصرات أو زواج الصغيرات) يدرك بأن السياسة التشريعية تتجه لمنع زواج الأطفال، ويتضح ذلك من خلال التعديلات الأخيرة لبعض القوانين كتعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات، وتم التأكيد على ذلك من خلال قانون حقوق الطفل رقم /21/لعام 2021م .
فقد نص تعديل قانون الأحوال الشخصية بالقانون رقم /4/لعام 2019م، في المادة /16/ منه على أن ( تكمل أهلية الزواج في الفتى والفتاة ببلوغ الثامنة عشرة من العمر) وتبنى قانون حقوق الطفل ذات الصياغة في المادة /19/منه.
وفي السياق ذاته عدّل القانون /24/ لعام 2018م، المادة /469/من قانون العقوبات؛ عقوبة من يعقد زواج قاصر خارج المحكمة المختصة للحد من ظاهرة اللجوء إلى إجراء عقود زواج للأطفال القاصرين خارج المحكمة، بهدف ضبط عملية تزويج الأطفال وعقد الزواج من دون موافقة الولي ولكن هذه النصوص غير كافية لمنع زواج الأطفال لعدم وجود عقوبة على تزويجهم بشكل واضح ومحدد، إضافة إلى أن القوانين المشار إليها أعلاه وضعت استثناءات يمكن من خلالها السماح بتزويج طفل، فمثلاً المادة /18/ من قانون الأحوال الشخصية المعدل بالقانون رقم /4/ لعام 2019 تنص على أنه إذا «ادعى المراهق أو المراهقة البلوغ بعد إكمال الخامسة عشرة وطلبا الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واكتمال جسميهما ومعرفتهما بالحقوق الزوجية»، ولا يتضمن هذا النص أي معايير موضوعية وإنما يخضع فقط لتقدير القاضي.
أما بالنسبة لقانون العقوبات فعلى الرغم من تجريم القانون /24/ لعام 2018م، عقد الزواج خارج المحكمة إلّا أنه قرن العقوبة بعدم موافقة من له الولاية على القاصر أو عدم موافقة الولي، فإذا تم عقد الزواج بموافقة من له الولاية أو بموافقة الولي فلا عقوبة، ما يعني إمكانية انعقاد الزواج. لذلك انطلاقاً من الحماية التي أقرّها قانون حماية الطفل، نرى ضرورة إعادة النظر في القوانين المشار إليها أعلاه وحذف الاستثناء الوارد في المادة /18/ من قانون الأحوال الشخصية، وتعديل قانون العقوبات بحيث تتم المعاقبة على عقد الزواج خارج المحكمة في كل الحالات وعدم ربطه بأي موافقة، إضافة إلى إمكانية إضافة نص واضح وصريح يعاقب على تزويج الأطفال يطول من له ولاية على القاصر أو وليه، أو حتى الزوج إذا كان متمَّاً الثامنة عشرة وقد يسهم ذلك في الحد من ظاهرة تزويج الأطفال.
من أخطر الظواهر
وبرأي عواطف نزهة اختصاصية اجتماعية فإن زواج الأطفال ظاهرة من أخطر الظواهر التي يجب مواجهتها من خلال توظيف كل الوسائل، لما تتسبب في مخاطر عديدة وتهديدات كبيرة لأنها ببساطة جريمة تنتهك بحق الطفولة والمجتمع ككل، وأهم الأسلحة لمواجهة هذه الظاهرة هو الوعي والتوعية والعمل على زيادة نسب التعليم بين الفتيات والأهالي على حدٍّ سواء.