إهمال الدور
بعد كارثة الزلزال وما خلّفه من نكبة في عدة محافظات، لا بدّ من التدقيق ملياً في واقع تشييد الأبنية الحديثة وإعادة النظر بقرارات إضافة طوابق على تلك القائمة من السابق، ويطفو إلى السطح هنا تساؤل عن مدى جدية وجدوى الدور المنوط بالجهات ذات العلاقة تجاه الحرص على السلامة الإنشائية للأبنية والأخذ بالحسبان دراستها على الزلازل.
يبدو دور البلديات مهم جداً لمنع نشوء الأبنية العشوائية المخالفة، والإلزام بمحددات رخص البناء ونظام ضابطة البناء، كما عليها عدم التسرع باقتراح إضافة طوابق على الأبنية القديمة القائمة لدى العزم على تعديل المخططات التنظيمية عن طريق اللجنة الإقليمية، لكون معظم تلك الأبنية غير مؤسسة بالأصل لتحمل طوابق إضافية، ما ستكون له منعكسات سلبية على سلامة الأبنية وسكانها في حال حدوث طارئ كالزلازل.
لا يقلّ أهمية دور نقابة المهندسين، حيث يتكفل مهندسوها بدراسة كل المخططات المتعلقة بتشييد الأبنية، من معمارية وإنشائية وكهربائية وميكانيكية وتصديقها بعد تدقيقها، لكن الأمر لا يقف عند ضرورة صوابية تلك الدراسات فقط، بل هناك دور بالغ الأهمية يتمثل بفاعلية الإشراف، وهو ما أصرّ على نيله أعضاء النقابة في أكثر من مؤتمر حتى تحقق وبالطبع لم يكن “ببلاش” بل مدفوع الأجر.
لكن المشكلة أن الإشراف بقي نظرياً لا أثر له على أرض الواقع، وكأن المطالبة به كانت بدافع المنفعة المالية الإضافية للمهندسين لا الحرص على ضمان جودة التنفيذ، بدليل أن المهندس المشرف المحدد من النقابة لا يتواجد في معظم مواقع تشييد الأبنية ليتابع ويراقب دقة التنفيذ حسب المخططات المصدقة، والتوقيع على كلّ مرحلة من مراحلها وإعطاء أوامر الصب بعد التأكد من صحة التسليح وسلامة الكوفراج، وحتى حضور عملية الصب مع ملاحظة صحة كمية ونوع المواد الداخلة بالمجبول البيتوني، كذلك يلاحظ تهاون من بعض لجان النقابة الهندسية في منح تقارير السلامة الإنشائية عند تسوية الأبنية المخالفة، أو تقارير تَحمل للأبنية عند رغبة أصحابها بإضافة طوابق عليها.
بشكل عام، لا يعقل استمرار ترك المقاولين يعملون على هواهم، لما يترتب على ذلك من تبعات سوء التنفيذ عبر إنقاص كميات المواد المحددة وفق الدراسات والمواصفات الناظمة للعمل، وبالتالي حدوث خلل في الجملة الإنشائية للأبنية ما يعني تشكل خطورة بالغة على سكانها عند حدوث أي طارئ، وهنا لا بدّ من أخذ البلديات دورها الفاعل لمنع المخالفات والالتزام برخص البناء، كما على نقابة المهندسين تفعيل الإشراف على التنفيذ وعدم التهاون مع أي خلل في جودته، بالتوازي على الجهات المعنية اتخاذ أشدّ العقوبات بحق المقاولين الذين يتلاعبون بتشييد الأبنية حرصاً على سلامتها الإنشائية ومن ورائها سلامة قاطنيها.