من أفسد الجدران في ألّا تكون متكأً؟!
لابدَّ
سيولدُ حلم؛
طالما ثمةَ حياةٌ ممكنة..
ولابدَّ
سيأتي الدفء طالما بقيت احتمالات بزوغِ الشمسِ واردة..
وإمكانية خلخلة الانطفاء؛ لاتزالُ واردة، وطالما لا يزالُ ثمة فسحةٌ مُتاحةٌ لإيقاد شموع الوقت.. كما لايزالُ ثمة حيزٌ – مهما بدا ضيقاً وشحيحاً – لندى الصباح، طالما ثمة احتمالٌ مفتوحٌ لإنارة مصابيح القلب..
ما زالت كل الاحتمالات السابقة واردة، رغم معرفتنا العميقة بقدر الجغرافيا والتاريخ لهذا الحيز من الوجود السوري العتيق.. هذا “الوجود” الذي كثيراً ما لعب لعبة “المخاتلة” مع كلِّ ما يُحوقُ به من أخطار، تماماً كطفلٍ يلعبُ “الطميمة” أو (الغميضة) مع أترابه.. فمن بين أصابعه، كان يبصرُ الجميع، وهو يوهمهم أنه كان (أعمى)..
لكن، ورغم كل الاحتمالات الفينيقية الممكنة للانبعاث، التي خبرنا بها طيور رمادها الذي يصرُّ أن يُبقي جمره متقداً تحته؛ يحقُّ لنا أن نعتب على الجدران، ونهمس بأذنها كثيراً.. وكنا قد وثقنا بها رغم كل عادات “آذانها” الذميمة في النميمة، و”الاستراق”، نعتبُ عليها، قد وثقنا أن نمشي بجوارها غاية “السترة” والأمان.. وكانت قد أعطتنا الأمان على مدى تعليق الصور واللوحات بعشرة العمر التي لا يُمكن خيانتها.. وكانت من ثمّ مُتكأً آمناً لمتعبٍ فقد كل الأكتاف التي كان من الممكن أن تكون مسنده الأخير.. فنصحوه لا تثق إلّا بالجدار من خلفك!!
على مدى سنين طويلة؛ بقي الجدار أشبه بعلبة بريد لإرسال ملايين الرسائل تنوعت في مضامينها وأهدافها.. تبدأ من لواعج عاشقٍ مُتيّم وصولاً للوحة جدارية تتنوّع في بنيتها وغاياتها الجمالية والفكرية.. حتى أمسى اليوم ثمة فن محمول دائماً على الجدار هو “فن الغرافيتي”.. بل إنّ هذا الفضاء الأزرق – الإنترنيت، كثيراً ما يُطلق على صفحاته
ولا سيما الفيسبوكية منها (الجدار).. ويبدو أن مثل هذه المهمات الفكرية والجمالية للجدار وعاها الإنسان منذ أن وعى الجدار، أو منذ أن بنى جداراً.. بدأ ذلك منذ أن سكن أول كهف، وعلى ما يبدو سيبقى إلى بناء آخر جدار..
لكن عتبنا كبيرٌ جداً، فمن علّم الجدران أن تتهاوى، وأن تغدر بمن اتكأ على أمانها حين فجر، من أفسد الجدران في عاداتها حتى لا تكون متكأً وسنداً؟!!