كيف نُعد للانتقال من مرحلة الاستجابة الطارئة إلى المستدامة اقتصادياً وسياسياً؟

تشرين – ميليا إسبر:

تضمنت كلمة السيد الرئيس بشار الأسد يوم الخميس الماضي تداعيات الزلزال الذي ضرب سورية عدداً من النقاط التي ستكون محور الجهود الواجب بذلها خلال المرحلة القادمة، بعد الانتهاء من عمليات الإنقاذ وتأمين المواد الإغاثية للمنكوبين، لنتجه بعدها إلى معالجة مفاعيل الكارثة الأخيرة التي أضيفت إلى ما سبق خلال الحرب على سورية وما تخللها من عقوبات وحصار جائر.

قراءة اقتصادية
المحلل الاقتصادي والمسؤول عن حملة “إطلاق اليوم العالمي للتضامن مع الشعب السوري.. ورفع العقوبات” شادي أحمد قرأ اقتصادياً كلمة السيد الرئيس المهمة التي وجهها إلى الشعب السوري، وإلى الأصدقاء وجميع الدول والتي تحمل مسارات عدة، المسار الإنساني المتعلق بالشكر لكل من قدّم وساهم سواء من السوريين أو من الدول الأخرى في معالجة آثار وتداعيات هذه الكارثة الطبيعية التي حدثت، وفي الوقت نفسه أعطت ملامح التوجه للمرحلة القادمة في مواجهة هذه التداعيات، لافتاً إلى أن السيد الرئيس كان واضحاً وشفافاً عندما قال: إن المرحلة القادمة يجب ألا تقل اهتماماً عما يحدث الآن في اللحظات الأولى وفي الأيام الأولى للزلزال، بمعنى أن وتيرة العمل لا تنخفض بداعي أننا قمنا بأعمال الإغاثة السريعة والطارئة، وبالتالي كان كلام السيد الرئيس واضحاً تجاه الانتقال من الاستجابة الطارئة الفورية إلى الاستجابة المستدامة،

أحمد: نظام معين في عمليات البناء والتعيين والتعليم أيضاً والمواصفات يجب تكون للمدارس وللمستوصفات ونحن بحاجة إلى مراجعة لكي يكون لدينا البيئة القانونية الميسرة لعملية التعافي

وهذا ما يعني بالمفهوم الاقتصادي أنه بعد القيام بالأعمال السريعة التي تضمنت إرسال مساعدات وإغاثة وإزالة أنقاض لابد أن تكون لدينا استجابة أطول تتعلق بإعادة إعمار المناطق التي تهدمت، وبإعادة الحياة الاقتصادية والمعيشية وإيجاد فرص عمل للذين تأثرت أعمالهم، وتالياً إعادة دمج هذه المناطق التي تضررت والتي سميت بالمناطق المنكوبة ضمن إطار العملية الاقتصادية بشكل عام.

عمل مؤسساتي
وبين أحمد أن السيد الرئيس دائماً صاحب فكر مؤسساتي على الرغم من إيمانه بالأعمال والمبادرات الفردية غير أنه دائماً يؤكد أهمية أن يكون أي عمل مؤسساتي بشكل كافٍ، ومن هنا يمكن القول صحيح أن نظامي الإغاثي والمساعدات، والطائرات التي تهبط والقوافل الداخلية وتقديم النقابات والمؤسسات والفئات الشعبية وغرف التجارة والصناعة قدمت كل ماهو يشكر لهم، ولكن السيد رئيس الجمهورية ينظر إلى أن العمل الإغاثي على المدى الطويل يحتاج إلى مؤسسة، ومن هنا كانت دعوته وتوجيهه ورؤيته حول أن يكون لدينا صندوق لمساعدة المتضررين من الزلزال، هذا الصندوق تؤمن له الموارد الكافية والتي يجب استثمارها بشكل حقيقي تجاه أن يتم الاستفادة منه لمصلحة الفئات والأماكن المتضررة، متوقعاً أن وظائف هذا الصندوق بالدرجة الأولى إنشاء شبكة أمان اجتماعي بمعنى توفير المستلزمات الأساسية للمواطنين المنكوبين، إضافة إلى ذلك البدء بعملية إعادة الإعمار في تلك المناطق التي تهدمت كلياً، وعمليات التدعيم والصيانة للمناطق التي يحتمل أن يكون فيها مخاطر، إضافة إلى إطلاق برنامج للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في تلك المناطق بمعنى أن يستعيد الناس هناك سبل العيش التي فقدوها نتيجة الزلزال، مثلاً ربما هناك من كان يملك سوبر ماركت صغير، أو ربما ورشة صغيرة ( حدادة – نجارة ) أو ممن لديه مثلاً بعض الأعمال المنزلية مثل سيدات البيوت اللواتي ربما يعملن في الخياطة هناك، كل هؤلاء بحاجة إلى أن تتم إعادة تأهيل أعمالهم من جديد لكي يضمنوا سبل مستوى العيش الكريم، متنمياً أن ترى هذه الفكرة النور وأن يطور لاحقاً هذا الصندوق أو تجربته لكي يكون صندوقاً لإعادة الإعمار بشكل عام في سورية، وليس فقط بموضوع الزلزال، وتالياً ربطه بمسار عملية التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار في سورية.

التشريعات
وذكر أحمد أن السيد الرئيس تحدث عن إصدار تشريعات وإجراءات للتخفيف من التداعيات وهنا ركز سيادته على أن تكون هناك بيئة قانونية ملائمة للعمليات الإسعافية وعمليات التعافي، وأيضاً العمليات المستدامة التي يجب أن نقوم بها، مثلاً قد يكون هناك نظام أو تشريع يتضمن ضابطة البناء كيف يجب أن تكون، وحقيقة أن هناك “كود” سوري لم يلحظ أنه يجب أن يكون لدينا تدعيم كبير لمسألة الأبنية لتكون بمواصفات مقاومة للزلازل، هذا الأمر بحاجة إلى إعادة تشريع، وقد يكون هناك نظام معين في عمليات البناء، والتعيين والتعليم أيضاً، منوها بأن المواصفات يجب تكون للمدارس وللمستوصفات كل ذلك بحاجة إلى مراجعة لكي يكون لدينا البيئة القانونية الميسرة لعملية التعافي التي يجب أن تكون في تلك المنطقة، وأن تكون استجابة مستمرة، في الاستجابة الطارئة لأنه عادة يتم التوقف عن بعض القوانين للضرورة، وبعدها تعود العجلة كما يجب، موضحاً أنه انطلاقاً من ذلك يجب أن يتم النظر بشكل دقيق في القوانين والتشريعات التي يمكن أن تكون معيقة، أو إصدار قوانين استثنائية لفترة معينة، مثلاً قرض استثنائي لمدة سنة أو سنتين من أجل أن يكون ميسراً ومسهلاً لعملية إعادة تأهيل المناطق المنكوبة.

العقوبات عائق كبير
وفيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، ذكر أحمد أن هذه العقوبات تقف عائقاً كبيراً جداً أمام تحسن الوضع المعيشي، وأمام البدء بالتعافي الاقتصادي والتنمية الحقيقة، ولكن الآن ما زاد الطين بلة أن هذه العقوبات تقف عائقاً أمام إعادة تأهيل المناطق المنكوبة في سورية على الرغم من الادعاءات الأمريكية وغيرها أن هناك استثناءات من قانون قيصر، لكن حقيقة كمتخصصين بالمفهوم الاقتصادي نجد أن هذه الاستثناءات لم تأتِ بأي شيء جديد، بل على العكس في إحدى فقراتها قامت بإصدار ما يسمى شرعنة سرقة القوات الأمريكية للنفط السوري عندما ذكرت في الفقرة ( ب) بأن هذا الاستثناء لا يشمل النفط السوري المصدر إلى الولايات المتحدة، والجميع يعرف أن سورية لا تصدر نفطاً إلى أمريكا ولكن الأخيرة تعتبر أن قواعدها غير الشرعية الموجودة في سورية إنما هي قواعد تحت القانون، وبالتالي هناك في أمريكا من يقول إن أي قاعدة أمريكية خارج الولايات المتحدة تعتبر أرضاً أمريكية، ومن هنا تعتبر الولايات المتحدة أن النفط الذي تسرقه من حقول النفط السورية إنما هو استيراد، لذلك نقول إن هذا الاستثناء جاء ليعزز حالة السرقة الموصوفة التي تقوم بها الإدارة والقوات الأمريكية في سورية،

العقوبات تقف عائقاً أمام إعادة تأهيل المناطق المنكوبة في سورية على الرغم من الادعاءات الأمريكية وغيرها أن هناك استثناءات من قانون قيصر

لذلك العقوبات تمنع الكثير من المواد التي يحتاجها الاقتصاد السوري والنظام الإغاثي من الوصول إلى سورية، منوها بأن الاستثناء الذي قدموه من أجل التحويلات المالية استثنى منه مجموعة وطبقة الشركات والكيانات الاقتصادية ورجال الأعمال الذين كانوا يؤمنون الاقتصاد السوري بكل مستلزماته، وتالياً هذا يعتبر عملية “تشليل” بمعنى الشلل للقدرات الاستيرادية والتصديرية للاقتصاد السوري، مشدداً على ضرورة أن يكون هناك جهد دولي وكبير لأجل رفع العقوبات، وهذا ما تقوم به الآن حملات شعبية بدأت من سورية لكنها بدأت تتوسع خارج سورية إلى الكثير من دول العالم، مبيناً أنه على الرغم من أن كارثة الزلزال كما يقال في بعض الأمور رب ضارة نافعة، صحيح أن الضرر كبير إلا أن عيون الكثيرين في العالم بدأت تتفتح من أجل إزالة هذه العقوبات على الواقع السوري.
معالجة للتراكمات
بدوره رئيس حركة البناء الوطني أنس جودة أشار في تصريح ل” تشرين ” إلى ثلاث نقاط أساسية ركزت عليها كلمة السيد الرئيس بشار الأسد حسب تحليله وقراءته للكلمة، حيث كانت النقطة الأساسية والأولى في الكلمة هي فكرة أن النظر لتداعيات الكارثة يجب أن يتم بطريقة تراكمية لكل ما سبقها من حرب وحصار، وتالياً من منطق البناء والتفكير هذا فإن المعالجات الجزئية للكارثة غير كافية، بل إنها يجب أن تتناول الأبعاد العميقة التي حدت من قدرة الدولة والمجتمع على الاستجابة أي العودة لجذور الأزمة السورية، لافتاً إلى أنه من هنا فقط يمكن فهم طرح فكرة الحوار الوطني لإيجاد حلول على المستوى السياسي للأزمة وليس على المستوى التقني الذي يحتاج لآراء خبراء فقط حيث إن الدعوة للحوار الوطني اليوم تعني أننا أمام أزمة سياسية عميقة بحاجة لحلول مختلفة ومنطق مقاربة مختلف، فإذا كانت مواجهة هذه الكارثة لوحدها بحاجة لسنوات فما بالنا بمعالجة آثار حرب مدمرة وحصار طال أغلب البنى التحتية والقوى المجتمعية.

جودة: الحوار الوطني لإيجاد حلول على المستوى السياسي للأزمة وليس على المستوى التقني الذي يحتاج لآراء خبراء فقط

دور المجتمع المدني
وأشار جودة إلى أن النقطة الثانية من الكلمة هي التركيز على دور المجتمع المدني في الاستجابة السريعة، ومرونته العالية ومسؤوليته الوطنية سواء في تحقيق أدواره المباشرة في الإغاثة والتنمية، أو في أدواره الوطنية التي تمثلت في تعزيز صورة المجتمع المتعاضد وترسيخ التواصل بين السوريين والرد على التشويه المتعمد لصورة المجتمع، منوها بأن هذا الدور المتقدم أصبح بحاجة لبنية قانونية جديدة تتناسب مع أدواره المطلوبة اليوم فلايمكن الاستمرار بمجموعة تشريعات وأوامر إدارية أنتجت في خمسينيات القرن الماضي .

رسائل عميقة
بينما النقطة الثالثة برأي جودة هي تعزيز حالة التماسك المجتمعي حيث حملت الكلمة رسائل عميقة عن التضامن بين السوريين في الداخل والخارج والجهود المشتركة للجميع في مواجهة الكارثة، وهي نقطة هامة يمكن البناء عليها لتشمل جميع السوريين في كل مناطق السيطرة خصوصا مع الموقف الرسمي الذي عمل ودعا لفتح المعابر الداخلية ووافق على فتح المعابر الخارجية لوصول المساعدات لكل السوريين.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
على سيرة إعفاء مدير عام الكابلات... حكايا فساد مريرة في قطاع «خصوصي» لا عام ولا خاص تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية