“زلزال لشبونة العظيم” حجرُ الأساسِ في علم الزلازل
تشرين- رنا بغدان:
حوالي مئة ألف ضحية نتيجة هزة أرضية استمرت ما بين ثلاث وست دقائق ضربت مدينة “لشبونة- البرتغال” في الأول من تشرين الثاني عام 1755 كانت سبباً كافياً لوضع حجر الأساس في “عِلم الزلازل” كما كانت مادة ثرّة استخدمها الفنانون التشكيليون والأدباء لعدة قرون, كان من أبرزهم الشاعر الفرنسي “فولتير” الذي وضع قصيدة بعنوان “كارثة لشبونة” والفيلسوف الألماني “عمانوئيل كانت” الذي نشر ثلاثة نصوص عن الكارثة ناقش فيها الدروس الأخلاقية والفلسفية المستفادة من ذلك الدرس الطبيعي..
ففي الوقت الذي دمرت فيه سلسلة من الزلازل أشهر مدن القرن الثامن عشر وتسببت في حدوث موجة “تسونامي”, أُنشِئت مدرسة للعلوم داخل البرتغال كانت السبب في وضع اللبِنة الأولى لـعلم نستند إليه اليوم في التنبؤ بحركة الهزات الأرضية العنيفة، وأصبح “زلزال لشبونة العظيم” الذي يعتقد أنه كان بقوة من 8.5 إلى تسع درجات “ريختر”, حدثاً فاصلاً في التاريخ الأوروبي وبدايةً لقفزات علمية طويلة وكان من نتائجه ظهور تصميمات المباني الأولى المقاومة للزلازل.. السبب الذي دفع علماء ومفكرو ذلك العصر إلى الأخذ على عاتقهم ضرورة اكتشاف أسرار كل هذه الزلازل وفهمِ السبب العلمي الذي يكمن وراء تلك الهزات الأرضية العنيفة, ما ساعد “ماركيز دي بومبال” على إنشاء “مدرسة العلوم” التي كانت البذرة الأولى لـ”علم الزلازل” بعد تكليفه من ملك البرتغال “جوزيف الأول” بالإشراف على إنقاذ الجرحى والتخلص من الجثث وإعادة إعمار المدينة فشهدت “لشبونة” لأول مرة في التاريخ نوعاً من التنظيم لإدارة الأزمات وكان زلزالها العظيم أول هزة أرضية تجري دراستها بطريقةٍ علمية في محاولة للوصول إلى مصدرها وكان حدثاً رئيساً ساهم في إعادة التفكير في السياسة والفلسفة والعلوم والعمارة حسب المؤرخين.
وعقب زلزال “لشبونة” وبعد أن تمّ وضع النواة الأساسية لـ”علم الزلازل” بدأ تطوير هذا العلم في منتصف القرن التاسع عشر بعدما ضربت إحدى موجات الزلازل مدينة “نابولي” الإيطالية عام 1857 وقام المهندس الأيرلندي “آر ماليت” بدراسة آثار الزلزال فاكتشف أن الموجات الزلزالية تشع من بؤرة مركزية يمكن من خلالها تحديد موقع الزلازل بتتبع الموجات إلى المصدر.
وكانت تلك هي الفترة التي طُورت فيها الأدوات الخاصة بالنماذج الأولى لأنظمة قياس الزلازل، وكانت إيطاليا وألمانيا واليابان وروسيا.. من الرواد في هذا المجال؛ وأدى فك تشفير سرعات الموجات الزلزالية داخل الأرض حينها إلى اكتشاف الهيكل الأساسي لكوكبنا المكون من قشرة وغطاء ونواة مقسمة إلى جزأين ليساهم علم الزلازل في دراسة جيولوجيا الأرض بشكلٍ أفضل.
وكان الحدث الأساسي الآخر الذي ساهم في فهم الهزات الأرضية بشكلٍ أعمق بعد زلزالي “لشبونة” و”نابولي”، هو زلزال “كاليفورنيا” الذي وقع عام 1906 وجرى فيه تقديم “نظرية الارتداد المرن” للعالم الأمريكي “هاري ريد” لتفسير الزلازل حينها لأول مرة.. لكن لم تبدأ الاكتشافات والاختراعات المهمة لعلمِ الزلازل قبل قدوم القرن العشرين، وتحديداً بين عامي (1920-1960)، وكان أهمها “مقياس ريختر” الشهير لقياس قوة الزلازل وعمقها وتوزيعها والذي نستخدمه إلى يومنا هذا, ولتنتشر بعده ومع بدايةً ستينيات القرن الماضي شبكة مراصد عالمية لقياس الزلازل تعمل من خلال أجهزة استشعار قياسية لرصدِ قوتها بدقة عالية، وبقي علماء الزلازل يواجهون صعوبة في التنبؤ بحدوثها بشكل أكيد لكن يمكنهم رصد احتمالاتها.