لأنهم ليسوا أبطالاً في هوليوود… بل مجرّد “ضحايا”!
تشرين- جواد ديوب:
أشاهدُ صورَ الزلزال الذي أصابنا وكأنّ كل صورة هي حكاية لفاجعة، تأريخٌ للموت بسكّين التراجيديا، كأن كلَّ صورةٍ هي مرثيّةٌ طويلة لـ”بشر وتواريخ وأمكنة”… أشاهدُها، ويسري في جسدي خدرٌ سامٌ يكاد يشلّني من هول الصدمة، رغم فرحي العميق بأنني نجوتُ بفعل قدرٍ رحيم، وأن الموتَ أجّلني إلى حين!
أشاهدُ الصور فيما رائحةُ الموت تزكمُ روحي، كأن البلادَ هاويةٌ مفتوحةٌ لأجسادِ أصدقاء بجذوع وأطراف تبترُ، وأشلاءَ أحبّةٍ تحت الركام والأنقاض.. صورٌ وتقارير مصورة تتركنا في متاهات الندم كأنّ أجسادنا هي نفسها صارت موشومةً ببقع الحسرة، وكلماتنا تتكاثف في ليل خوفنا مثل أدغال القلق… إذ ما الذي يمكن فعله أمام هذه الفاجعة؟ كيف يمكنُ النوم؟ وأين تنتهي الكوابيس؟!
كنا نقول: “للموت أنواعٌ لا تحصى وليس لنا إلّا قبرٌ واحد”، لكن وأنا أتابعُ أخبار الزلزال وهزّاته الارتدادية صرتُ أقول: “للموت أنواعٌ لا تُحصى، والأماكنُ قبورٌ بلا شواهد”!
قبل الكارثة/ الزلزال كنا نشربُ خمرَ الفجائع، وننادمُ الحزنَ أملاً بمستقبلٍ رحبٍ، وفي اللحظات الأولى للفاجعة صرنا نقضُمُ الوقتَ بعشر أصابع من ندم، وصارتْ قلوبنا معلقةً بإبر ودبابيس على أنقاض تلك البيوت المهدومة فوق رؤوس أصحابها وأجساد أطفالهم.. مرةً بفعل الزلزال، ومرّات بفعل الحرب وفساد النفوس وجشع تجار الحروب ومافيات بناءِ العقارات المزيفة.
وملأني قهرٌ وحقدٌ عظيمان على دولٍ لا تزال تمنَعُ عنا حتى شُربةَ الماء وحبة الدواء، وتحاصرنا رغم وجود كارثةٍ إنسانيةٍ تسببت بمئات الضحايا والجرحى والمفقودين تحت الركام والصقيع والرعب… حقدتُ على قنواتٍ “أوروبية” تعرضُ بتفاخرٍ مقيتٍ كيف تُرسِلُ بلادُها مساعدات إلى بلادٍ أخرى منكوبة، فيما إنسانيتُها “الزائفة” لا تُحرضها لتقفَ بنبلٍ في وجه الحصار والعقوبات على سورية.. نعم يعرضون ويتفنّنون في عرض “بطولاتهم” وخوارق “أبطالهم” كأنهم نجومُ سينما.. لكن شهداءنا وضحايانا وجرحانا ليسوا أبطالاً في هوليوود، بل هم -بنظرهم- أقلّ من أن يُذكروا ولو بالأرقام!
منعتُ روحي من البكاء طويلاً، لكنّي شرقتُ بدمعي حين تابعتُ شهامة السوريين وفروسيّتهم ومحاولاتهم مساعدة المنكوبين من أهلنا ولو بأقلّ القليل من الأدوية والملابس وحليب الأطفال أو بتقديم بيوتهم ومقاهيهم وسياراتهم وعياداتهم أو بالتبرع بالدم لإنقاذ مَن يُمكن إنقاذهم.. وقلت في قلبي: سلاماً لك يا سورية اليتيمة وأنتِ تقاومين بشجاعةٍ وشرف، وتمتصّين الحياةَ حتى آخر رشفةٍ منها.. نكايةً بالموت والحصار والنذالة وقلّة الضمير!