لقطات للحياة
1
كأننا بالزلزال الذي دمّر الكثير من بيوت الناس الآمنين وأزهق حيوات بعضهم، يمتحن قدرتنا على الحياة، وهذا ما تثبته هِمَمُ بعض الأفراد الذين طالما وصفنا صفحات جدارهم الأزرق بكلمات هجائية، لكنهم اليوم مثل خلية النحل ينشرون على مدار الدقيقة كل خبر جديد يساعد الناس المتضررين، فبعضها يشير إلى من يقدّم المساعدة على الإيواء مع ذكر الأماكن والهواتف للتواصل، في أكثر من مدينة، وبعضها الآخر إلى حافلات أبدى أصحابها استعدادهم لنقل العائلات لمدن أخرى تتوفر فيها المساعدات والأمان، وأخبار أخرى عن حافلات وضعت لمساعدة طلاب الجامعات للعودة لأهاليهم. ومنشورات أخرى تحثّ الناس على تقديم المساعدة الغذائية والدوائية لأشخاص موجودين في أماكن إيواء محددة، وثمة إشارات لمبادرات انطلقت تجمع المساعدات، في أكثر من مدينة، وبعضها بدأ بتقديم الدواء والغذاء والألبسة الشتوية. وهي جميعها صفحات ومبادرات لشباب وشابات في ربيع العمر، يحاولون زرع ربيعهم في مُصاب المتضررين.
2
اعترض بعض الناس على نشر بعض الصور والفيديوهات التي توثّق الأسى الذي لحق بالناس من الزلزال، من دون إدراكهم ضرورتها رغم قساوة بعضها على قلوب بعض المشاهدين، وقد يتجاهلها بعضنا لأن قلوبنا لم تعد تحتمل ذلك، لكن نشرها ضروري لاستثارة المشاعر ونقل حجم الكارثة، وتحفيز الناس والهيئات الدولية على المبادرة بمساعدة المنكوبين. وستحظى صورة أو أكثر بنصيب أوفر بالتداول، كصورة الطفلة التي تحمي رأس شقيقها وهما ينتظران من ينقذهما من سطوة السقف المنهار فوقهما، والفيديو الموفّق معهما إذ يحاول رجل الإنقاذ إشغالهما وتخفيف خوفهما لحين مجيء المساعدة الفعالة لئلا يصابا بأذى، وكان لهما النجاة والسلامة فيما بعد.
3
لا كلام يوازي الحجم الكبير لمعاناتنا سواء من هذا الزلزال أم من الحرب التي أنهكت معظمنا، ووظيفة الأديب في مثل هذه الظروف أن يظل مثل فلاّح لا عمل له سوى زراعة المحبة وعدم فقدان الأمل بالحياة خاصةً على تراب هذا البلد الذي تظل قصيدة الشاعر الراحل في عزّ شبابه عام 1982 “رياض الصالح الحسين” القصيدة الأكثر تداولاً وحضوراً لأن شحنات جمالها وتفاؤلها باستمرار حبنا لسورية لا تُستنفد، تقول القصيدة:
يا سورية الجميلة السعيدة
كمدفأة في كانون
يا سورية التعيسة
كعظمة بين أسنان كلب
يا سورية القاسية
كمشرط في يد جرَّاح
نحن أبناؤك الطيِّبون
الذين أكلنا خبزك وزيتونك وسياطك
أبداً سنقودك إلى الينابيع
أبداً سنجفِّف دمك بأصابعنا الخضراء
ودموعك بشفاهنا اليابسة
أبداً سنشقّ أمامك الدروب
ولن نتركك تضيعين يا سورية
كأغنية في صحراء.