لم تكن مزحة.. «لن ينقصنا زلازل بعد الآن» ويا ليت هذه الصفحة تُطوى بسرعة لينتهي انهمار الموت
تشرين- لمى بدران:
لم تكن مزحة من أفواه السوريين عندما يخمّنون ما ينقصهم قائلين: “ينقصنا زلازل وكائنات فضائية حتى تكتمل القصّة” ويا ليتها تكتمل متجاوزةً مشاهد الموت المنهمرة التي لم نشهدها من قبل ولا حتى خلال ١٣ عاماً من الأزمة في سورية، حتى إن الشبكة الوطنية للرصد الزلزالي اعتبرته الأقوى خلال العمر الاستثماري لها أي منذ عام ١٩٩٥، لذلك نستطيع القول إنه وبكل أسف “تاريخ كارثي” بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
إن الأتراك لديهم ما يتذكّرونه في هذا الشأن وهو “زلزال أزمير” عام ١٩٩٩ الذي صرع ما يقارب ١٨ ألف ضحية و٤٤ ألف إصابة، وترك نصف مليون شخص بلا مأوى، وتركيا أساساً تقع ضمن أخطر أحزمة الزلازل في العالم (صدع شرق الأناضول)، كما توقّع الباحثون حدوث ما يسموّنه “الزلزال الكبير”، ولم يُذكر بعد فيما إذا كان الزلزال الحاصل هو زلزالهم المنتظر أم لا.
لكن نحن في سورية لم نتوقّع أبداً ما يحصل كأنه قُدِّر لنا كل شيء غير متوقع، وكل ما في الأمر أننا فقط جُبِلنا على الصلابة ونقاوم جميع أنواع الكوارث بإرادتنا العارية أمام العقوبات والصعوبات والمفاجآت أيضاً.
لن نتحدّث عن الحصيلة التي وصلنا إليها من ضحايا وإصابات وانهدامات، فهي غير نهائية حتى الساعة، لكن لنتحدّث عن الكائنات الفضائية وهي غريبة جدّاً، إذ تستجدي عبارات العزاء والمواساة والإخلاص لسورية بأشد الكلمات الحزينة لكنها في الواقع تتجنب تقديم المساعدة الفعليّة لسورية وترسلها إلى تركيا فقط، أليسوا كالكائنات الفضائية الغريبة التي لا داعي أن ننتظرها!
لدينا في نهجنا وأعرافنا وأخلاقنا السورية أهمية كبيرة لتقدير الأشقاء والأصدقاء الذين أرسلوا مساعداتهم الفورية من دون أن يطلب أحد منهم ذلك، أولئك الذين سارعوا بالإغاثة قبل غيرهم، لقد سجّل التاريخ السوري أنهم مجد للإنسانية وتعبير صادق غير مزخرف عن الوفاء لها قولاً وفعلاً، ومنهم الجزائر العزيزة التي كانت أوّل دولة مُبادرة بإرسال المساعدات العاجلة، والعراق الشقيق الذي فتح جسراً جوياً لسورية وتركيا على حدّ سواء، وإيران الصديقة التي أرسلت طائرة محمّلة بالمساعدات الطبية والإغاثية والغذائية وسترسل تباعاً طائرات أخرى وتونس والإمارات والأردن وروسيا والصين ولبنان والبحرين وعُمان ومصر ترفع لها القبّعة، حتى إن البرقيات الكثيرة التي وصلت إلى السيد الرئيس بشار الأسد جسّدت تضامناً دولياً واسعاً يجب أن يأخذه العالم في الاعتبار.
ومن سياق التضامن الواسع ينبثق التعاضد والتعاون المجتمعي الداخلي، فعندما نريد أن نضع يدنا على الجرح تماماً نكون مجبرين على الشعور بمدى الألم والمعاناة الكبيرين الناجمين عن الكارثة المدمِّرة، وبالنهاية كما يقول المثل “ما بحك جلدك غير ظفرك”، ففي ظل خسائرنا الكبيرة والفاجعة الموجعة والخطر المحدق الذي يسكن عيون سكان حلب وريف إدلب واللاذقية وحماة وطرطوس، المتضررين من الزلزال، هناك تماسك شديد يظهر في هذه المحنة.. نعم لقد أظهر الزلزال حملات غير منتهية من المساعدات والتبرعات والتطوع، فأبواب البيوت السورية فتحت على مصاريعها لاستضافة المتضررين الذين أصبحت بيوتهم أنقاضاً وأيضاً السيارات والباصات الخاصة والعامة وُظِّفت لخدمتهم، وقلوب السوريين المتعبة احتضنت بعضها لتقفز نحو أعلى درجات التكافل الاجتماعي الذي يحوي مآسي هذا الزلزال .
إن حالة الاستنفار الكاملة، التي أُعلِنت منذ الساعات الأولى للكارثة من أجل تنفيذ إجراءاتها على كل الوزارات والقطاعات الحكومية، تم تفعيلها بسرعة قصوى واستجابة عالية لإنقاذ من هم تحت الأنقاض وإسعاف المصابين واستدراك الخسائر بكل أنواعها.
الصبر والعزيمة والإدراك لطالما رافقت سورية وندعو ونرجو مزيداً من القوة والتحمّل لتجاوز هذه الأزمة كما تجاوزنا سابقاتها.