النصُ العاجلُ.. ومحنةُ الزلزال والحصيلة غير النهائيّة
تشرين- علي الرّاعي:
ستبقين سورية
كألفٍ ممدودةٍ وسط الحياة؛
لابدَّ
أيّتها الحبيبة
أن تمرَّ «الجمعةُ الحزينة»،
ولابدَّ
ستنتهي دروب الجلجلة بـ «قيامة».
خلال الحرب الطويلة على سورية، والتي تجاوزت العقدَ من السنين؛ كانت النصوص العاجلة تُسابقُ الخبر العاجل عن الحدث الذي وقع للتوّ.. حينها كان الحدث الذي يأتي كرجاء، وبمنتهى الدهشة، يدفع النص الذي يخرج من الأعصاب، ليُبسط نفسه على أي حامل: صحيفة، قناة تلفزيونية، ووسائل الميديا الجديدة، والأخيرة التي تأتي كـ«ترمومتر» لقياس مزاج الناس.
نتحدث ،كما أسلفنا، عن «النص العاجل» الذي يُسابق الخبر العاجل ليُقدم مقولته بأبلغ ملامح وأركان الأدب الوجيز.. نصوصٌ بتقديري تحتاج وقفة طويلة في دراستها سواء جاءت من قامة بحجم نزيه أبو عفش إلى نصٍّ لكاتب عادي مُترع بجماليات مختلف الأخطاء الإملائية والنحوية.
غير أن النص في حال (الزلزال) الفاجعة السورية الأحدث؛ سيُمسي هو الآخر ضحية، لأنّ صاحبه هو نفسه مُنجدل بالحدث إلى حدّ ما، وربما في أحيان كثيرة يكون هو نفسه ضحيةً أيضاً.. فعند الكارثة الطبيعية، شيٌ ما سيُصيبُ الأعصابَ بالتلف، عندما تصبحُ (وزارة الصحة) مصدرك الأكثر ضماناً.. هنا دماغك سيُكرّسُ كل خلاياهُ ليصير مُترقّباً (حصيلة الضحايا)، سواء المتوفون، أو الجرحى، أو عدد الأبنية التي تهدمت.
هنا مخيالك سيذهبُ بعيداً، عن صياغة نصٍّ عاجلٍ كما كان يكتب خلال الحرب، وأنت تُتابع جيش وطنك، وهو يُحرر كل شبرٍ من براثن قوى الظلام والظلامية.. هنا يصير ما تصوغه، هو أقرب إلى (الرجاء)، أن تختم وزارة الصحة بيانها، بـ(الحصيلة النهائية)، غير أن ما يُشبه دلواً من الماء البارد يُدلق عليك عندما تقرأ خاتمة البيان بـ(الحصيلة غير نهائية).
هنا، ستتبعثرُ كل كلمات نصٍّ يُمكن صياغته، وهنا الأمر مختلف خلال وقائع حرب السنوات العشر على سورية، رغم كل ضحايا تلك الحرب.. هنا وأنت تنجدل، أو تنجدل كل خلية من جسدك وروحك مع كل ما يحدث في وطنك، وفي ظل إمكانات محدودة، وظروف مناخية هي نفسها كوارث طبيعية أخرى، وإن مثل هذه الكوارث في فجائعيتها قد تُدمر خلال عددٍ من الثواني، ما يُمكن أن تدمره الحروب على مدى سنوات.. هنا فإنّ شيئاً ما من الحسرة يصل للذهول لهول ما حدث.
ربما، وبعد أن يُكتب على السوريين الشفاء من هذا المُصاب الجلل، ستزدحمُ المدونات بالحكايا عن أسرٍ ماتت مجتمعةً، وسيكون ألف قراءة لتلك الصورة التي «غطاها» الفيسبوك باعتبارها ذات (محتوى صادم).. تلك الصورة لأبٍ وابنه، وهما يحتضن أحدهما الآخر، وكأنّ كلاً منهما يُحاول إبعاد الموت عن الآخر.. قائلاً لذلك «المفترس» خذني بدلاً منه..
سوريّة؛
محارٌ يُغلق جراحَهُ بلؤلؤة،
قزٌّ يُحيكُ محنته بالحرير
سوريّة
زهراءُ الصّباح فاطمة؛
تتفيأُ شرفات الأسماء الحُسنى،
و مريمٌ
تنثرُ أزقتها سلاماً.