التنجيم والشعوذة تجارة رابحة في زمن الباحثين عن مستقبلهم في بيوت المتلاعبين بعقول البسطاء

مرشدة اجتماعية: الحل في اللجوء لمعاهد متخصصة بدلاً من التوجه للدجالين
تشرين- طلال الكفيري:
من يظن أنّ زمن الخرافات قد “ولّى” بعدما أصبحنا في القرن الحادي والعشرين، فهو مخطئٌ حقاً، فمازال أناس كثيرون ولمعرفة ما يخبئ لهم المستقبل من خفايا ولكشف أسباب مشكلاتهم، يطرقون أبواب “المنجمين” ظناً منهم أنهم قادرون على حلّها وكشف مسيرتهم الحياتية وما يمر بها من أحداث، ولتتحول ظاهرة “التنجيم” هذه الأيام إلى تجارة ربحية، أبطالها “مجموعة” من الدجالين والمشعوذين الذين أتقنوا لغة التلاعب بعقول مدمني “التبصير”، وضحاياها أناس بسطاء اشتروا الوهم من أفواه هؤلاء ما أوقعهم في مصيدة “خزعبلاتهم” الخرافية.
رزق الهبل على المجانين
لعلّ من “يدوس” بساط هؤلاء “المنجمين” سيرى أن “لهجتهم التبصيرية” والجملة الأساسية المتداولة على لسانهم “أنت مسحور” وهنا تبدأ “بازاراتهم” الابتزازية والاستغلالية، فبذريعة “فك السحر” يطلبون من “المسحور” على حدّ زعمهم، أولاً أن “يبيض الفال لمعرفة المآل” واستفتاحية الجلسة الواحدة حسب قول من دخل بيوتهم لـ”تشرين” تفوق الـ ٥٠ ألف ليرة، ولكن الأمر لا ينتهي هنا فرحلة “الاستشفاء” من لعنة السحر المكتوب لهم، تحتاج إلى “ماء وردٍ وزعفران، وبخور” وهنا لن يكون أمام طالبي الشفاء أو قضاء الحاجة سوى الاستجابة لمطالبهم، وبالتالي دفع المزيد من المبالغ المالية.
ومن يدخل بيوت من أتقن لغة “ضرب الودع وقراءة الفنجان والكف” سيلحظ أن أدوات نصبهم واحتيالهم “والعياذ بالله” والتي لا تفارق “أوكارهم” هي “تعاويذ ورقية وعيدان بخورٍ وشموع، وتمتمات شيطانية”
وبالرغم من كلامهم الذي لا يمت للحقيقةِ بصلة فإن “عتبات” منازلهم وللأسف تغص بالرجال والنساء من مختلف الأعمار ومجيئهم إلى منزل ذلك المنجم أو تلك المنجمة ما هي إلّا لمعرفة الأسباب الكامنة وراء مشكلاتهم الحياتية، ومنهم من أتاهم لمعرفة مستقبلهم المهني والعلمي والعاطفي، ومنهم من جاء يسأل عن عودة غائب لهم، ومنهنّ من يسألنّ عن عريس قادم يفك عنهنّ سجن العزوبية “ولله في خلقه شؤون”، وكأن هؤلاء “المشعوذين” قادرون على تحقيق كل ما يصبو إليه مدمنو “التنجيم” والمضحك والمبكي بآنٍ واحد هو أن جميع الموجودين داخل تلك البيوت مقتنعون تماماً بما يقوله هؤلاء المشعوذون، فإحداهن -ونعتذر هنا عن الإشارة للأسماء لحساسية الموضوع- قالت لـ”تشرين” إن ابنتها لم تشفَ من مرضها إلّا بعد أن ذهبت بها إلى أحد المنجمين الذي استطاع كشف مرضها وفك السحر عنها حيث عادت إلى حياتها الطبيعية، وآخر يشير إلى أن أوضاعه المعيشية والأسرية لم تتحسن إلّا بعد أن كتب له أحد المنجمين “حجاباً” يقيه شر الحاسدين، وإحداهن حدثتنا وهي على قناعة كاملة بما تقول إن حياتها الزوجية كانت على شفير الهاوية نتيجة خلافاتها المتكررة مع زوجها، إلّا أن ذهابها لإحدى المنجمات وقيامها بكتابة “حجاب” لهما أعاد المياه إلى مجاريها، طبعاً من يجالس هؤلاء البسطاء يحدثونك وهم مقتنعون تماماً، أن ما يتلفظ به المنجمون دقيق ولا لبس فيه… إذاً صدق من قال: “رزق الهبل على المجانين”.
ضحك على الذقون
لمعرفة ما يدور في منازل المنجمين لم يكن أمامنا سوى أن نقصد بعضاً منهم، بذريعة أننا نعاني من أوجاع مزمنة، ليقول لك على الفور معمول لك سحر، مدفون في بيتٍ مهجور أو في مقبرةٍ مجهولة، ولفك السحر وطرد الأرواح الشريرة من جسمك تحتاج إلى كتابة خاتم من فضة، وهذا يتطلب شراء ماء ورد وزعفران وبخور، وحجاب يحميك، طبعاً ما تفوه به المنجم لا أساس له من الصحة، وما هو إلّا ضرب من ضروب الدجل والشعوذة، والمسألة المثيرة للاستغراب هي توجه الكثير من المرضى إلى منازل “المشعوذين” لتوهمهم أن مرضهم “شيطاني”، وأن هؤلاء قادرين على شفائهم، متناسين أن التخفيف من آلامهم وأوجاعهم لا يكون إلّا بالعيادات الطبية.
فمن يغوص في عالم المنجمين و “زبائنهم” إنّ صحَّ التعبير سيكتشف أن التنجيم حرفة تعتمد على التلاعب بعقول البسطاء، وللأسف أصبحت تفرض نفسها كواقعٍ “علاجي” لمعظم مشاكل الحياة، حتى بات لهؤلاء خاصة بعد الإقبال المتزايد عليهم، أسواقهم السوداء فالابتزاز المادي ممزوج بدمائهم، لتتحول تلك الظاهرة، التي أصبحت ملجأً للهاربين من واقعهم الأسري أو المعيشي، إلى تجارة رائجة هدفها الأول والأخير الربح المادي السريع.
إذاً مناجاة الأرواح كما يدعي “المشعوذون” والتي أصبحت الباب “اللاشرعي” لهؤلاء لدخول بيوت الناس البسطاء، ما هي إلّا ظاهرة يجب محاربتها بكل الوسائل، لكونها تعد من أكبر الكبائر ومن أخطر الظواهر المنتشرة بكثرة في مجتمعاتنا حالياً.

محامٍ: المادة 754 من قانون العقوبات السوري نصت على تجريم ممارسي السحر والشعوذة

ماذا يقول القانون؟

المحامي أسامة الهجري أشار لـ”تشرين” إلى أن ممارسة السحر والشعوذة جرم يعاقب عليه القانون حيث نصت المادة 754 من قانون العقوبات السوري: “يعاقب بالحبس التكديري من يوم وحتى عشرة أيام، وبالغرامة من خمسمئة ليرة سورية إلى ألفي ليرة، كل من يتعاطى بقصد الربح، مناجاة الأرواح والتنويم المغناطيسي، والتنجيم وقراءة الكف وقراءة ورق اللعب، وكل ما له علاقة بعلم الغيب، وتصادر الألبسة والعدد المستعملة، والمثير للاستغراب أن تلك الظاهرة أصبحت تشهد انتشاراً ملحوظاً، ما ينعكس سلباً على الفرد والمجتمع، لذلك من المفترض ملاحقة هؤلاء ومحاسبتهم قانونياً، وخاصة أن بعض أعمال السحرة قد تلحق أذى بالذين يلجؤون إليهم طالبين مساعدتهم، فعلى الجميع توخي الوقوع في مصيدة هؤلاء، لكون أقوالهم ما هي إلّا ترهات الهدف منها الحصول على الأموال بطرقٍ غير شرعية.

مرشدة اجتماعية: الحل في اللجوء لمعاهد متخصصة بدلاً من التوجه للدجالين

لماذا يلجأ الناس للمنجمين؟
المرشدة الاجتماعية عهد العماطوري قالت لـ”تشرين” إن استفحال ظاهرة “التنجيم والشعوذة” ما هي إلّا دليل على وجود أناس كثيرين، ما زالوا يؤمنون ويصدقون بما يقوله ذلك العرّاف أو تلك العرافة، من دون أن يدركوا أن أقوالهم لا تمت للواقع بصلة، فالغيب لا يعلمه إلّا الله سبحانه وتعالى، إذاً لجوء البعض إلى منازل الدجالين والمشعوذين، لتحليل واقعهم الأسري ولمعرفة السر الكامن وراء العسر الذي هم فيه، ناتج عن جهلهم بما يخفيه المنجمون وراء أقنعتهم المزيفة، فعندما يطرقون أبواب الدجالين والمشعوذين، يظنون أنهم قادرون على إيجاد حلٍّ لمشكلاتهم كلها، وأن ما يقوله هؤلاء دقيق لا لبس فيه، لكونهم يملكون قدرات خارقة، فعلى اللاهثين وراء تلك الأكاذيب التي لا جدوى منها سوى استنزافهم مالياً، أن يبتعدوا عن تلك الترهات، من خلال تصحيح أفكارهم وتغير اتجاه علاجهم واستبداله بالعلم والطب عوضاً عن الشعوذة والتنجيم، ومن الأسباب الأخرى التي تدفع الكثيرين لطرق أبواب “المنجمين” الجهل والإيمان بالخرافات “وقصص الجان والعفاريت” وتأثيرها على مسيرة الشخص الحياتية.
أضف لذلك إصابة بعض الأشخاص باليأس والإحباط خلال مسيرة حياتهم ما يدفع بهم لمراجعة المشعوذين والمنجمين.
إذاً قطع الطريق على من يوقعون الكثير من الأشخاص في مصيدتهم، لا يكون إلّا بتوعية هؤلاء وإرشادهم للطريق الصحيح، وهو طريق العلم، فهناك الكثير من خريجي معاهد الخدمة الاجتماعية، فما المانع من فتح معاهد خاصة ترخص رسمياً، ومن لديه مشكلة اجتماعية تكن وجهته هذه المعاهد المدعمة بالكوادر العلمية، بدلاً من اللجوء إلى هؤلاء الدجالين.
كلمة أخيرة
من خلال ما تقدم نستنتج أن “المنجمين” ليسوا إلّا أشخاصاً عاديين، استغلوا حاجة المحبطين مادياً ونفسياً لتحسين أوضاعهم، حتى أصبحوا مهيئين لتصديق ما يقوله لهم “المشعوذون”، متجاهلين أن رأس معرفتهم ما هو إلّا مجرد مجموعة من الكتب القديمة “محشوة” صفحاتها بطلاسم غير مفهومة، وحدهم من أتقن لغتها، ليبدؤوا ومن خلالها ببيع الوهم للناس وبالتالي التنبؤ بما يخفي لهم المستقبل، ونحن بدورنا نقول للمتلاعبين بعقول الناس: الغيب لا يعلمه إلّا الله عزّ وجل، فهونوا على أنفسكم وعودوا إلى رشدكم فتجارة الوهم لن تدوم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
اتحاد الكتاب "فرع اللاذقية" يحيي مع مؤسسة أرض الشام ندوة عن المرأة السورية ندوة فكرية ثقافية عن "النقد والنقد الإعلامي" في ثقافي أبو رمانة السفير الضحاك: سياسات الغرب العدائية أضرت بقدرة الأمم المتحدة على تنفيذ مشاريع التعافي المبكر ودعم الشعب السوري مؤتمر جمعية عمومية القدم لم يأتِ بجديد بغياب مندوبي الأندية... والتصويت على لا شيء! الرئيس الأسد يؤكد خلال لقائه خاجي عمق العلاقات بين سورية وإيران وزير الداخلية أمام مؤتمر بغداد الدولي لمكافحة المخدرات: سورية تضطلع بدور فعال في مكافحة المخدرات ومنفتحة للتعاون مع الجميع الرئيس الأسد يؤكد لوفد اتحاد المهندسين العرب على الدور الاجتماعي والتنموي للمنظمات والاتحادات العربية عقب لقائه الوزير المقداد.. أصغير خاجي: طهران تدعم مسار الحوار السياسي بين سورية وتركيا العلاقات السورية- الروسية تزدهر في عامها الـ٨٠ رئاسيات أميركا ومعيارا الشرق الأوسط والاقتصاد العالمي.. ترامب أكثر اطمئناناً بانتظار البديل الديمقراطي «الضعيف».. وهاريس الأوفر حظاً لكن المفاجآت تبقى قائمة