ربحوا كأس المحبّة
تشرين- إدريس هاني:
– حزنت ككل من أحزنه خروج فريق “أسود الأطلس” من إقصائيات نصف نهائي كأس العالم، لأنّني حلمت، ليس بالانتصار على الفريق الفرنسي فحسب، بل كان الحلم هو الفوز بالكأس، الذي لم يعد يمثل المستحيل، بعد أن اتضح امتلاك التقنية الكافية لإحراز اللّقب، لكن بعد أن هدأ روعي، أحببت أن أقيِّم مسيرة المنتخب المغربي خلال المباريات السابقة، وسوف أتناول المسألة من زوايا متعددة:
– ما زلت غير مستوعب خروج “أسود الأطلس” من نصف النهائي، لأنّهم موضوعياً سيطروا على الميدان، بمهارات وتقنيات هائلة، كانت شبكة الخصم مهددة، حتى إنّ الفريق الفرنسي خرج عن الروح الرياضية، وبدأ يستعمل العنف.
– لا شكّ بأن فريق أسود الأطلس دخل مباراة التنافس في نصف النهائي وكل عناصره مصابون، وقد فقدوا الكثير من الطّاقة، ومع ذلك كافحوا حتى آخر رمق.
– ضيع المنتخب المغربي الكثير من الفرص، وكان ذلك نتيجة مفعول الهدف الأوّل، لكنّ ثمة فرصاً حالت بينه وبينها عبر إدارة التحكيم، فكان المتوقع على الأقل، رغم كل الأخطاء، هو التعادل. الفريق الفرنسي ليس أكثر خبرة من أسود الأطلس، فلقد هزم هؤلاء فرقاً أوروبية مهمّة، الواحد تلو الآخر.
– ما يؤكد أن ثمة أكثر من طريقة لعزل الفرق غير المرغوب فيها عالمياً، هو سياسة التدخل، وهذا ما يؤكد أن المنتخب المغربي حُرم من الفوز على الرغم من كل الملاحظات الأولى، نتيجة انحياز الحكم المكسيكي الذي حرم أسود الأطلس من ضربتي جزاء، كانتا واضحتين وضوح الشمس في رائعة النهار، وكان بالإمكان التبين التقني من ذلك. ما يؤكد أنه ليس فعلاً بريئاً، بل تقنية أخرى لإقصاء المنتخب المغربي بعد أن تبين لهم أنه ماض بثقة عالية نحو الكأس، الفريق الوحيد الذي بلغ نصف النهائي ولم يسجل عليه هدف.
– قد يقولون إنها نظرية المؤامرة، لكن الرأي العام يتساءل: هل كان ماكرون سيحضر نصف النهائي لو لم يكن واثقاً بالعملية القذرة لفوز المنتخب الفرنسي؟ يتساءل آخرون: لماذا تمّ الضغط والابتزاز على الدولة المنظمة للكأس من خلال إقالة نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي إيفا كايلي بتهمة تلقي رشوة من قطر، لشراء موقف الاتحاد الأوروبي؟ لماذا يحضر ماكرون مباشرة إلى المونديال ولم يحضر الأمير القطري الذي حضر كل المباريات السابقة وبحماسة؟ تساؤلات كثيرة يتم تداولها اليوم، ولن نغوص فيها أكثر.
– انتصار المغرب في المونديال له أكثر من بعد، لكن من الناحية التقنية، كنا أمام فريق حديث العهد بالتشكيل، لكنه فاجأ العالم وبلغ المربع الذهبي، وما زالت أمامه فرصة التألق مع كرواتيا للتباري حول المرتبة الثالثة عالمياً.
– وصول أسود الأطلس إلى المربع الذهبي، يعني أنّهم قفزوا قفزة نحو العالمية، وأنهم منذ الآن فصاعداً هم في تبار مع الكبار، فلا يهم خروج المنتخب المغربي من نصف النهائي، ما دام أنّ فرقاً أساسية تطلعت للكأس وخرجت قبل أن يخرج المغرب، بل كان سبباً في إقصائها.
– أعود إلى جوهر اللّعب، وكما ذكرت قبل ذلك، أنّ الجدية في اللعب هي شرط قيام اللعب أصلاً، فليس كل لعب هو جاد. وسيتضح أنّ ثمة قواعد انتهكت بنمط خفي من اللعب غير تعاقدي، يمثل الحَكَم وبضمير فاسد، أداة أخرى لتقويض اللعب: “حاميها حراميها”، نحن بالفعل في زمن لعبي بامتياز، لكن ما يفتقده العالم هو الجدّ في اللعب، بتعبير آخر: إنّهم ليسوا لاعبين شرفاء، هم يفوزون بالغشّ، ونحن كافحنا بشرف.
– فوز الفريق الفرنسي في ضوء الملاحظات المذكورة، هو فوز غير مستحق، ويتحمل” الفيفا ” مسؤوليته في فتح تحقيق بخصوص الحَكَم الذي مارس الشطط في سلطة التحكيم بحرمان المنتخب المغربي من ضربتي جزاء، ومن كثير من ضربات أخطاء أخرى.
– تتضمن اللعبة حرب العلامات، ما يجعل التباري امتداداً لحرب حقيقية، بدأت محاولات التأثير على معنويات الفريق من خلال دخول الإعلام الرسمي لدول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا في الحرب الإعلامية، حيث بلغ حدّ اتهام عناصر الفريق ب “الدواعش”، واتهامهم بمعاداة السامية.
– لم يواجه أسود الأطلس فريقاً فرنسياً حقيقياً، بل واجهوا فريقاً مشكلاً من عناصر إفريقية، وهو ما يعني أن استنزاف الموارد الطبيعية والبشرية لإفريقيا هو موقف جيواستراتيجي ثابت في السياسة الفرنسية. لقد تقابل فريقان من إفريقيا، أحدهما مثل إفريقيا رسمياً، والعالمين العربي والإسلامي أدبياً، بينما مثل الفريق الآخر فرنسا فقط وعملاؤها.
– لا يؤمن الفرنسيون بأنّ من تكلم الفرنسية فهو فرنسي- خلافاً للعرب: من تكلم العربية فهو عربي- إنه بالأحرى فرانكفوني درجة ثانية، آنديجين، لكن الآنديجين هو من حقق الفوز، بينما اعتمد المغاربة على الكفاءات المحلية.
– أحيت المباراة التي جمعت بين أسود الأطلس والفريق الفرنسي، مشاعر أخرى، تتعلق بالعلاقة مع مستعمر قديم، صورة يصعب أن تنفكّ عن الكرة وهي امتداد للحرب بكيفية أخرى، اللاشعور حاضر بقوة في اللعبة الجادة، فإذا أقصينا عبثاً اللاشعور، خرجنا من اللعبة رأساً.
– ونحن نواجه فريقاً من عناصر الآنديجين، تذكرنا زمن الحماية، زمن فرنسيي الدرجة الثانية، حين كانت فرنسا تواجه الفدائيين المغاربة بقوات من الآنديجين من مستعمراتها السابقة، ما أشبه اليوم بالبارحة.
– انتصر أسود الأطلس حين وصلوا إلى المربع الذهبي، وهذا يؤكد أهمية التباري على المركز، وسبق وذكرنا مراراً أنّ الحرب اليوم هي حول المركز، هم لا يريدونك أن تكون في المركز إلاّ كممثل لهم، لا أن تكون في المركز مستقلاً، لا إشكال أن يمثل الأفارقة الفريق الفرنسي لتعزيز المركزية الغربية في اللعبة الكروية وفي اللعبة السياسية والاقتصادية، لكن لا يمكن لفريق إفريقي أن يمخر نحو المركز باستقلال.
-انتصر أسود الأطلس من خلال القيم التي عبروا عنها، وهي قيم مستبعدة، فلقد أنقذوا المونديال من الهيمنة القيمية الغربية، وأشاعوا قيم العائلة، والمعنوية والأخوة، كانت الأرض تتكلم عربياً: الأرض الأرض.
– حقق أسود الأطلس ما أخفقت السياسة والإعلام بتحقيقه، اليوم تدرك الملايين من الرأي العام الممثل للشعوب أين يوجد المغرب، لم يعد مقبولاً اليوم الوقوع في الخلط، تجاوز المونديال هذا الالتباس، فالعالم عرف من هو المغرب، ما لون العَلَم المغربي، من هم المغاربة.
– خلال السنوات الأخيرة تعرض المغرب ككيان وشعب إلى الكثير من أشكال التهوين، شيء أدركنا تفاصيله وفذلكاته وأبعاده، هو نوع من التجاهل الممنهج، الكثير من خلط الأوراق، لكن أسود الأطلس قوّضوا هذا التجاهل وفرضوا اسم المغاربة كمعادلة لا يستهان بها، ففي النهاية كان لهم الفضل في توحيد المشاعر العربية وإثارة الغيرة العربية، وكشفوا عن الأمواج البشرية التي لا يمكن التحكم في مشاعرها ولو بالحديد والنّار، حيث كشف تأهل أسود الأطلس ما مكانة المغاربة في وجدان الفلسطينيين والعكس صحيح. ليتنا نتعلم الدرس، ونخرج من الكيدية التي جعلت الجماهير العربية متقدمة على السياسيين، هذا يعطي قيمة للمشاعر.
– تحتاج الأمم إلى انتصارات، ومنها وجب استئناف الفعل الحضاري، ربما قد يكون الخير فيما حصل، لأنني على يقين بأنه لو فاز المغاربة بكأس العالم، لازداد ضغط المؤامرة، وكان ما لا يحمد عقباه.
– اتضح أن منحنى التسامح والتضامن ازداد خلال ملحمة أسود الأطلس، ما يعني علاقة الحرب باللحمة الوطنية، وأنّ العنف المجتمعي له صلة أيضا بتراجع المشاعر الوطنية.
– يتطلع المغاربة إلى تعميم قيم النية الحسنة والوفاء في سائر القطاعات الأخرى، كالتنمية، أن يكون أداء الحكومة في ملعب الشأن العام كما كان أداء أسود الأطلس في ملاعب الدوحة، لا بدّ من مشاعر وطنية نبيلة، ووفاء للشعب، وكفاح ضدّ الفقر، وقطاع الرياضة والشباب هو قطاع حيوي في التنمية المستدامة.
– حينما تألق ذات يوم كل من العداء عويطة و العداءة نوال في ألعاب القوى، فتح ذلك المجال لأبطال جُدد كالكروج وغيره، ممن حطموا أرقاما قياسية عالمية، ولا شك أن أسود الأطلس سيفتحون آفاقاً لأجيال كروية لن يهدأ روعها حتى تفوز باللقب.
– المهم في كل ذلك، أنّ الكثير من مشاعر المحبة العربية غمرت أسود الأطلس، وهذا مهم، مهم لأنّه كشف أنّ افتعال الكراهية ضد المغاربة فعل منظم من قبل فئات محدودة في الزمان والمكان، خاضعة لسياسة شراء الذّمم ومحترفة لخلط الأوراق، ومهم أيضاً، لأنّ المشاعر العربية والفلسطينية تحديداً أغرقت المشهد، وكانت كافية بحيث لم تسمح لإعلام الاحتلال أن يلعب لعبة المشاعر. إنّ هذه المشاعر العربية الدّافقة والصادقة شكلت ضربة قاضية لكل محاولات التجاهل أو حتى افتعال المشاعر الكاذبة، فالتجاهل والمشاعر الكاذبة وجهان لعملة واحدة، لقد انتصر العرب بالمشاعر في زمن حتى الغرب العنصري لم يعد قادراً على مجارات التعبئة النفسية والمشاعر العربية، إن المغاربة، اليوم أكثر من أي وقت مضى، أدركوا أنّ العرب يحبونهم، وطبيعي أنّ هناك من يزعجهم أن يحصد أسود الأطلس هذه المحبة، فهذا قدرنا، دراويش حالفهم القدر الجميل، فشكراً للأحرار الذين رأوا في تأهّل أسود الأطلس تأهل أمّة بكاملها، فنحن، ولا بد من أن نذكر باستمرار: وطن في أمّة، بل إنّ كأس المحبة العربية تفوق كأس العالم، فالمغاربة في كل جيل تربوا على الموشح الأندلسي الذي يقول: قدوم الحبيب تمام السرور …. وكأس المحبة علينا يدور.