مغنّيات بغداد في العصر العباسي

تشرين- د.رحيم هادي الشمخي:
نتذكر أن الغناء كان فن الأمم، ومهنة الجواري منذ عهود ما قبل الإسلام، وصناعة تنفرد بها «الإماء» اللواتي يجلبن مع غنائم الحروب والغزوات، فالصغيرات منهن يتم تعليمهن الغناء على أيدي معلمين وأساتذة وموسيقيين ومحترفين لكي يقمن بالترفيه عن الحكّام والأعيان وضيوفهم.
بعد العام التاسع للهجرة تعلمت «عزة الميلاد» على يد «سيرين» لتكون الأستاذة الأولى في مدرسة الغناء العربي، ثم ازدهر سوق الجواري «المغنيات» إبان الحكم الأموي، لكن العصر الذهبي لهن حل مع مجيء الحكم العباسي، حيث شهدت الدولة استقراراً وقوي سلطانها، وتحولت مجالس الأنس والطرب في دمشق عاصمة الأمويين إلى بغداد عاصمة العباسيين، وفي عصر هارون الرشيد امتلأت القصور بالجواري على شتى جنسياتهن مع ازدياد الترف، فلم يكن هناك قصر أو بيت من بيوت الأشراف يخلو من هؤلاء، إذ كنّ مظهراً من مظاهر الثراء يرفلن بالحلي والجواهر، وكان النخّاس «بائع الجواري» يصرف الأموال الطائلة لتعليمهن، لكنه في المقابل كان يبيعهن بأسعار خيالية، خاصة إذا كانت تتقن الضرب على العود وذات صوت مذهل وجمال أخّاذ، أو تقرض الشعر فحدّث ولا حرج، ويُجمع الباحثون أنه يعود إلى النساء ازدهار الشعر والموسيقا والغناء في العراق، لكن ذلك كله كان يتم تحت عنوان البيع والشراء كجارية وليس امرأة حرّة، وفي سنوات العصر العباسي الأخيرة انتقل الغناء إلى الحانات والمقاهي والمحلات العامة.
أما عُلية بنت المهدي فهي أول امرأة عربية حرة، بل أول أميرة عباسية اشتهرت كعازفة عود وملحنة ومغنية، لكن لكونها أميرة عاصرت خمسة خلفاء من والدها وأخويها «هارون الرشيد وإبراهيم بن المهدي»إلى ولدي الرشيد، الأمين والمأمون، فإن غناؤها كان مقتصراً على قصر الخليفة فحسب، لم تغن في المجالس ولم تشارك في ندوات القصر أو ندماء الخليفة إلا إذا طلب منها الأخيرهذا الأمر، وكانت الأصوات «الألحان» التي تصنعها تعلمها للجواري، وأول من تعلمه ألحانها الجديدة هو أخوها «إبراهيم بن المهدي» المغني الشهير، وكان شهيراً لأنه يشارك في مجالس الخلفاء، ويطارح المغنين المعروفين الغناء، أمثال أستاذ المدرسة التقليدية «إبراهيم» ثم ابنه «اسحق الموصلي»، وهكذا لم تنل «عُلية» حقها من الاعتراف بأستاذيتها وقتها للأسباب الآنفة كلها، فكيف للأميرة أن تكون بمصاف الجارية؟ وبوفاتها ضاعت أعمالها أو انتحلها الآخرون وأولهم أخوها.
كان المغنون والمغنيات يقصدون بغداد في العصر العباسي من الصين وسمرقند وبخارى وخراسان، ومن سورية ومصر وبلاد السند والهند، وقد انتشرت الملاهي والحانات في شارع الرشيد وعلى ضفاف نهر دجلة’، وكان العازف والمغني زرياب يطرب الجميع في عهد الرشيد الحافل بالكرم، والمحبة والفن والأدب والشعر، إذ كان الشاعر أبو نواس شاعر القصر يلقي قصائده العصماء في منتديات بغداد وفي لياليها الحالمة بالمجد والسعادة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
المنجد يبحث مع فارغاس يوسا علاقات التعاون في العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك السفير علي أحمد: «لجنة التحقيق المعنية بسورية» منفصلة عن الواقع.. ومزاعم الحرص على حقوق الإنسان لا يمكن أن تتسق مع استمرار الاستغلال الفاضح لقضايا نبيلة لتهديد مصائر شعوب بأكملها قانون إعلام جديد يلبي طموحات الإعلاميين في سورية... وزير الإعلام يعلن من اللاذقية أفقاً رحباً للشراكات البناءة السفير آلا: تعزيز الدعم الدولي لبرامج التعافي المبكر وإعادة الإعمار في سورية لتأمين عودة النازحين الخامنئي يدعو إلى المشاركة الواسعة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية الصين تجدد مطالبة الولايات المتحدة بوقف نهب موارد سورية وإنهاء وجودها العسكري فيها «ناتو» والعناوين المستترة في قمته المقبلة.. ظل ترامب يُخيم.. غزة ولبنان يتقدمان.. وأوكرانيا حاضر غائب الصحة العالمية: تأثير سلبي يشمل فرص التعليم والعمل..العزلة الاجتماعية تزيد خطر الوفاة 32% "التجارة الداخلية" تشكّل  لجنة لإعادة دراسة تكاليف المواد والسلع الأساسية على أرض الواقع مجموعة سفن حربية روسية تصل إلى سواحل فنزويلا في مهمة سلام