فيلم «الطريق» حياةٌ على قارعة العبور
تشرين-زيد قطريب:
تمنيت لو أن عبد اللطيف عبد الحميد غيّر خاتمة الفيلم من الشكل الوعظي إلى الدلالي البصري، فالخاتمة أتت وكأنها ملصقة قسراً بسيناريو الفيلم الذي مال إلى الرموز والإسقاطات منذ بدايته، ولأن السيناريو كُتب بالمشاركة بين عبد الحميد والراحل عادل محمود، لا نعرف مَن بالضبط اختار تلك القفلة غير الموفقة التي غردت خارج نسق النص.. في كلّ الأحوال، فإن قصة فيلم «الطريق» جميلة ومثيرة بمعالجتها رغم استلهامها من قصة أديسون المعروفة عندما طُرد من المدرسة وقامت أمه بتدريسه. فعبد الحميد نجح في تبييء الحكاية واستيرادها إلى إحدى قرى طرطوس لتصبح ناتجاً محلياً يتناول قصور التعليم عن تقدير الكفاءات وجوانب أخرى تتعلق بالبيئة الاجتماعية واختلاف أحلام الناس العابرين للطريق كلّ حسب بنيته الثقافية والشخصية.
استطعنا في «الطريق» أن نشاهد جميع أنواع البشر.. فهناك الحالمون والمتألمون والغارقون في الصراعات الصغيرة، إلى جانب العشاق والمغنين.. جميعهم كانوا يعبرون في طريق الحياة، وكان الشاب الصغير «صالح» يدوّن المجريات بناء على طلب جده «موفق الأحمد» الذي أراد تدريبه على الحياة والكتابة قبل أن يشرع في بناء مدرسة صغيرة خاصة به. الفكرة هنا رمزية ناجحة وذكية، لذلك قلنا إنها تناقض طبيعة الخاتمة التي كان يفضّل أن تنحو المنحى نفسه.
استخدام «الطريق» رمزاً للحياة، كان أمراً موفقاً على صعيد النص والصورة، فالفيلم قال الكثير عبر مشاهد الناس العابرين بلا حوارات طويلة تنهمك فيها الشخصيات، كذلك الأمر بالنسبة للتبدلات التي تعرضوا لها بين الذهاب والإياب ، إذ إن الإصرار يبدو مختلفاً في كل مرحلة من مسير الطريق وتناوله بشكل رمزي جعل الخلاص من الإسهاب الحواري ميزة جمالية للعمل، وإذا ما أضفنا إلى ذلك مهارة الكاميرا وواقعيتها في رصد تلك التبدلات، يمكننا أن نتصور جمال تلك التوليفة التي صنعها عبد الحميد في النص والصورة معاً.
في معظم أعمال عبد الحميد، كانت البيئة هي الهمّ والمجال الحيوي الذي يتحرك فيه، وتلك ميزة أكدت ارتباط عبد اللطيف بحب العودة للجذور من أجل استنبات القصص الشائقة التي لم تكن تخلو من الإسقاطات النقدية لأسلوب تفكير الناس والمؤسسة التربوية التي قد تقع في مطبّ إقصاء الأذكياء نتيجة نمطية التعليم التقليدي.. في هذا الجو، قدم عبد الحميد عملاً حوّل الخاص إلى عام.