كان «صناعة» فبات تجارة بائرة.. أهم مصادر البروتين الحيواني يغادر موائد المستهلك ويغرق في دوامة أزمة
تشرين- وليد الزعبي:
لا يزال تراجع تربية الدواجن متواصلاً نتيجة الخسائر المتتالية التي يتعرض لها المربون، والتي أجبرت الكثيرين منهم على الخروج من المهنة، حيث إن تكاليف مدخلات الإنتاج في تفاقم متواصل، فيما المعروض منه على قلته يواجَه في معظم الأحيان بضعف شديد للطلب في الأسواق نتيجة تدهور القوة الشرائية لعامة الناس والغياب شبه التام لمنتجات الدواجن من لحوم وبيض عن موائدهم.
خسائر متفاوتة
أحد المربين ذكر أن كل فروج يحتاج إلى ٤ كغ علفاً، ووفقاً للأسعار الرائجة حالياً وهي ٤٦٠٠ ليرة لكل كيلو واحد منه، فإن الطير يحتاج ١٨٤٠٠ ليرة علفاً ومع إضافة سعر الصوص حوالي ٣ آلاف ليرة ونفقات تدفئة ومتممات ٣ آلاف ليرة تصبح تكلفة الطير بوزن ٢ كغ حوالي ٢٤٤٠٠ ليرة، أي إن تكلفة الكيلو الواحد ١٢٢٠٠ بينما يباع حالياً في أرض المزرعة حوالي ١١ ألفاً، أي إن الخسارة واضحة ومحققة لهذه الدورة من الإنتاج، وأمام تكرار مثل هذه الحالة فإن صغار المربين يخرجون تباعاً من المهنة لتبدد رأس مالهم أو يعملون بشكل متقطع في حال توفر التمويل، علماً أن بعض مكاتب الفروج تموّل عدداً من المربين، من خلال تقديم الصوص والعلف لمداجنهم، وبعد اكتمال العملية تأخذ الإنتاج وتسوّقه وتسترد قيمة تلك المدخلات، ولكن بعض هذه المكاتب توقف عن التمويل لعجز مردود إنتاج المداجن التي يموّلها عن تغطية قيمة المدخلات التي يقدّمها، وأصبح رأس مالها غير ملموس و ديوناً متراكمة على أصحاب المداجن استعصى سدادها في ظل تتابع خسائرهم.
تراجع تربية الدواجن مستمر بمواجهة التكاليف الباهظة لمدخلات الإنتاج والضربات الموجعة للخسائر
وطالب ذلك المربي بضرورة وجود لجنة تسعير للمنتج، تأخذ بالتكاليف الفعلية مع وضع هامش ربح للمربين لعدم تعريضهم للخسائر والتسبّب بخروجهم من العملية الإنتاجية.
مخاطرة
رئيس لجنة مربي الدواجن في غرفة زراعة درعا معتز العيسى لفت إلى أن تربية الدواجن تعدُّ مخاطرة كبيرة في هذه الفترة، حيث إن المربي يوظف رأس مال كبيراً (قسم كبير منه دين يسدد حين الإنتاج) وهو لا يعلم إن كانت الأسعار عند التسويق ستكون مجدية وتحقق له ريعية مناسبة ولا تعرّضه للخسارة، وأشار إلى أن هذه المهنة أصبحت تحتاج دعماً كبيراً لارتفاع رأس المال العامل بالتربية وقصر دورة الإنتاج، مطالباً بقروض ملائمة وميسرة بآجال طويلة، مع أهمية معاودة تأمين المقنن العلفي بكميات كافية، وكذلك تأمين ما يلزم من الفحم لزوم التدفئة لخفض التكاليف وعدم الدفع بالمربي للاعتماد على الحطب وهو أيضاً بقيم باهظة.
غياب التوازن
صاحب مكتب مستلزمات دواجن تحدث عن تراجع مهنة تربية الدواجن بشكل كبير، حيث خرج عدد كبير من المربين من العملية الإنتاجية نتيجة الخسائر الكبيرة التي لحقت بهم من جراء عدم التوازن بين العرض والطلب، وطالب بضرورة إيجاد منافذ تسويق، ومنها استجرار فرع المؤسسة السورية للتجارة بدرعا كميات من الفروج وطرحها في صالاتها.
ضرورة تأمين المقنن العلفي وشموله جميع المداجن العاملة فعلياً سواء أكانت مرخصة أم غير مرخصة
لكن ذلك لن يتحقق من دون إنشاء وحدة تبريد وخزن لصالح ذلك الفرع مع تأمين برادات ضمن الصالات، حيث إنها غير متوافرة لدى الفرع منذ سنوات.
فتح المجال
من جهته ذكر الدكتور وهيب المقداد عضو لجنة الدواجن المركزية أن اجتماعات وفعاليات كثيرة تعقد لمناقشة تطوير تربية الدواجن وحل مشكلاتها وزيادة الإنتاج، وتالياً الإسهام بخفض أسعارها بالسوق المحلية، مبيناً أهمية فتح المجال أمام الجميع لاستيراد الأعلاف مع تبسيط إجراءاته، توازياً مع ضرورة الاستمرار بتأمين المقنن العلفي والسماح للمربين باستيراد المواد اللازمة للتدفئة بما يؤمن الكميات الكافية منها بأسعار معقولة.
غلاء المدخلات
رئيس غرفة زراعة درعا المهندس جمال المسالمة تحدث أيضاً عن تراجع تربية الدواجن نتيجة غلاء مدخلات الإنتاج، لافتاً إلى ضرورة تأمين المقنن العلفي وشموله جميع المداجن العاملة فعلياً سواء أكانت مرخصة أم غير مرخصة، لكونها تسهم في زيادة الإنتاج واستقرار الأسعار، وتطرق إلى أن الغرفة تتابع عمل المداجن وتحاول تلمُّس صعوباتها والتنسيق مع الجهات المعنية لتذليل ما أمكن منها، كما تعمل من خلال لجنة مربي الدواجن على حلّ الخلافات التي تحدث على صعيد هذه المهنة بالوسائل التي تكفل حصول كافة الأعضاء على حقوقهم من خلال لجنة حل المنازعات بالغرفة، كما تشارك الغرفة مديرية الزراعة بتنظيم المهنة والسعي لتأمين مستلزمات الإنتاج لكافة المربين، متمنياً على كافة المربين الانتساب للغرفة.
المقنن توقف
بدلاً من زيادة المقنن العلفي توقف توزيعه مؤخراً، وبهذا الشأن ذكر المهندس فراس الشرع مدير فرع أعلاف درعا أن عملية توزيع المقنن العلفي للدواجن بدأت في العام ٢٠٢٠ بإعلان أول دورة علفية في شهر تشرين الثاني منه، واستمر هذا التوزيع للمداجن العاملة فعلياً عبر الدورات العلفية والتي تبلغ في السنة الواحدة حوالي ثلاث دورات، لكن بعد آخر دورة علفية والتي انتهت آخر شهر أيلول الفائت لم يُعَد افتتاح أي دورة جديدة لعدم توفر المواد العلفية.
خروج الثلثين
حول الإحصاءات الخاصة بالدواجن، بيّن المهندس بسام الحشيش مدير زراعة درعا أن عدد مزارع الفروج المرخصة على أرض المحافظة يبلغ ٧٤٨ مزرعة، العامل منها فعلياً ٢٠٠ مزرعة، بطاقة إنتاجية تصل إلى ١.١٩٠ مليون طير، أما المزارع غير المرخصة للفروج فتبلغ ١٣٠ مزرعة، العامل منها ٣٠ مزرعة بطاقة ٢٠٠ ألف طير، وتبلغ مزارع البيّاض ١٠٤ مزارع، يعمل منها ٥٧ مزرعة، بطاقة إنتاجية تصل إلى ٦٥٤ ألف بيضة، فيما مزارع البياض غير المرخصة تبلغ ٧٠ مزرعة, العامل منها ٤٠ مزرعة بطاقة ٢٤٠ ألف بيضة، ولجهة مزارع الأمّات والجدّات المرخصة فهي ١٠ وجميعها متوقفة عن العمل.
صغار المربين يخرجون تباعاً من المهنة لتبدد رأس مالهم أو يعملون بشكل متقطع في حال توفر التمويل
وبيّن مدير الزراعة أنّ من بين المزارع المتوقفة ١٦٨ مزرعة متضررة بشكل جزئي أو كامل، والبقية متوقفة بسبب ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج من علف وصوص وأدوية ومتممات، علماً أن تربية الدواجن تتركز في معظمها بمنطقة الصنمين بما يعادل ٦٠ ٪ على مستوى المحافظة.
بدوره ذكر المهندس محمد الشحادات رئيس دائرة الإرشاد الزراعي أن مهنة تربية الدواجن من المهن التي كانت تلاقي إقبالاً جيداً لتحقيقها ريعية مناسبة لصاحبها، وخاصةً حين يتقنها ويلتزم بالتقنيات الفنية الزراعية للوصول لأعلى إنتاجية وبأقل تكلفة، لكن هذه المهنة أصبحت تلاقي في السنوات الأخيرة صعوبات جمّة وتحديات كبيرة على أمل تضافر الجهود لتذليلها وإيجاد الحلول المناسبة لها.
هل ننظر بها؟
يمكن إجمال المقترحات بضرورة معاودة تأمين المقنن العلفي وشمول حتى المداجن غير المرخصة به، لكونها تسهم في زيادة الإنتاج، ولا ضير من تسوية وضعها وتبسيط إجراءات ترخيصها، ومحاولة تأمين فحم الكوك (ناتج المصافي) للمداجن بأسعار مخفضة لزوم التدفئة، وإعفاء جميع مدخلات العملية الإنتاجية من الرسوم والضرائب، وتأمين التمويل بقروض ميسّرة، والتوجيه بافتتاح مسالخ نوعية قادرة على استيعاب الإنتاج وتوضيبه بالشكل المناسب، وكذلك إنشاء وحدات خزن وتبريد خاصة لحفظ اللحوم وخاصةً لدى فرع المؤسسة السورية للتجارة للإسهام باستجرار كميات من الفروج وخزنها وقت الوفرة ومعاودة طرحها في أوقات انخفاض الإنتاج وارتفاع أسعاره.
تربية الدواجن تعدُّ مخاطرة كبيرة في هذه الفترة
لم يتوقف تدهور قطاع الدواجن الحيوي، حيث تخرج كل فترة عدة مزارع من حيز الاستثمار بسبب تفاقم تكاليف الإنتاج وتعرض المربين لخسائر متلاحقة لعدم وجود توازن بين العرض والطلب، والإحصاءات خير دليل على التدهور الحاصل، إذ إن العامل فعلياً من مزارع الفروج والبياض تراجع إلى حوالي الثلث تقريباً، فيما مزارع الأمّات والجدّات جميعها متوقف في محافظة درعا.
ولدى تقصّي واقع ما يحدث يلاحظ أن معاناة المربين تبرز على نحو صارخ من فوضى تسعير مستلزمات الإنتاج وعلى رأسها الأعلاف، حيث لا معايير أو ضوابط تحكمها، ومع توقف توزيع المقنن العلفي مؤخراً فإن السوق الموازية ستزداد تغوّلاً واستغلالاً، كما أن شكواهم تطفو إزاء آلية تسعير المنتج من الجهات المعنية، حيث إنها -وفق رأيهم- لا تأخذ بالتكاليف الفعلية ولا تراعي هامش ربح معقولاً للمربين، والمطالب للحفاظ على عمل ما تبقى من مزارع تتركز على ضرورة معاودة توزيع المقنن العلفي بالكميات المعقولة والأسعار المدعومة، وتأمين فحم الكوك الذي له أهمية كبيرة في التدفئة ويسهم هو والمقنن العلفي بخفض التكاليف واستقرار العملية الإنتاجية.