مسرحيةُ «أبو زيد الهلالي» جهدٌ غيرمُمتع يفتقدُ العمقَ

تشرين- نضال بشارة:
لا بد للمشاهد المدقق في مسرحية «أبو زيد الهلالي» لكاتبها ومخرجها الفنان زيناتي قدسية ومجسّد شخصية أبي زيد الهلالي، أن يتساءل: هل الفارس «أبو زيد الهلالي» الذي عرفناه بقيم الشجاعة والحكمة والفروسية والحيل في تدبير الانتصارات لجيش قبيلته، فتخلّص منه «ذياب بن غانم» لغيرته منه، وحقده عليه، لأنه لم يستطع الوصول لمكانته، ومن ثم بعد قتله يحكم تونس، ويصبح هو الآمر النّاهي في شؤون وأمور القبيلة التي شاعت شهرتها بين القبائل العربيّة في القوّة والعدد والانتصارات على غيرها، هو الفارس الذي علينا أن نقتنع بشخصيته في المسرحية لاجئاً لعيادة الجامعة النفسية العربية« وفق تسمية المسرحية لها» من دون أي مسوغات درامية، للعلاج فيها؟! وهي عيادة تعمل فيها مجموعة أطباء وممرضين يعكفون على غسيل أدمغة الناس من كل فكر عربي تضامني ووحدوي، وكأننا بالمسرحية تقول إن هذه العيادة هي وكيلة الاستعمار الغربي الذي يهمه أن تظل الشعوب العربية بعيدة عن تحقيق أمانيها في الاستقلال والحرية والديمقراطية.. فهل الانطلاق من دون مسوغات مقنعة، سيقنعنا بما يلي في العرض المسرحي؟!
العرض الذي لم يتوافر له سوى أداء جيد من عناصره، وفي مقدمتهم الفنان زيناتي الذي يثبت أنه لايزال في شبابه، ليونة وألق جسدٍ على الخشبة رغم تجاوزه السبعين عاماً، وبأداء لوّنه بملامح كوميدية، يدفعنا للقول كم ظلم مخرجو الدراما التلفزيونية هذا الفنان حين لم يكتشفوا قدراته، لكن مسرحيته الثالثة هذه التي هي من إنتاج نقابة الفنانين بعد أكثر من تعاون له مع المسرح القومي، والتي عرضها في حمص تأليفاً وإخراجاً في افتتاح احتفالية أيام الثقافة على قصر الثقافة، جاءت بأقل قدر ممكن من العناصر الدرامية، فقصتها شاحبة، وحواملها الفكرية ضعيفة، وكذلك الفنية من إكسسوارات وديكور، واستعانة برموز عربية من خلال الغناء واختتامها بأغنية باتت مستهلكة من كثرة توظيفها، وتالياً الموقف الفكري فيها ضعيف، وليسمح لنا فناننا الذي نحب ونقدّر تاريخه الذي بناه مع الراحل ممدوح عدوان بعروض المونودراما، أن نقول كلما كانت قضيتنا كبيرة يفترض أن تكون معالجتنا المسرحية لها على المستوى ذاته، لا أن نعالجها بكثير من السطحية فكرياً وفنياً، فلم نستطع يا سيدي التعاطف مع شخصية أبي زيد الهلالي الذي يفترض أنه يتكلم عنا جميعاً، ويمثّلنا كأوسع شريحة تعاني هموم الحياة ومصاعبها وهواجس وطن تحت وطأة حروب لم تهدأ نيرانها بعد، تمثلنا بما أنك أخرجتها من بين جمهور الصالة، فهل كشف لنا العرض مالا نعرفه عن غسيل الدماغ الذي تلجأ له قوى الاستعمار وأذياله؟ ثم هل يجوز أن نهاجم مفهوم الديمقراطية فنخلط بينه وبين مطاطية تطبيقه في بعض البلدان؟ فهذا أكبر جريمة يمكن أن نرتكبها عندما نسخرمن المفاهيم والقيم الإنسانية التي أنجزتها البشرية عبر تاريخها.. ثم لو أردنا البحث عن الحبكة في المسرحية المتعارف عليها من تمهيد ووسط ونهاية لافتقدنا أثرها! فليس من أحداث متتابعة حصلت، وترابطت بشكل منطقي لنلمسها، وتالياً ليس من تشويق لمسناه كمشاهدين، فلم نلحظ أي تأزم لشخصية أبي زيد الهلالي، ولا أي صراع بلغ ذروته، والذي لم نلحظه أصلاً بينه وبين لجنة العيادة المؤلفة من أطباء وممرضين، بل كان يرضخ لأوامرهم، وفجأة يغني «الأرض بتتكلم عربي»، فهل دفاع الإنسان العربي عن تاريخه ووجوده بأغنية رغم احترامنا لها، لم تعد رمزيتها قادرة على تقديم حمولة فكرية مضادة لما نتعرض له، فكأننا بما قدمه الفنان زيناتي بمشاركة « مثال جمّول، رامي جبر، حسين عرب، أفرام زكيمي، عز الدين عيسى، فادي زيادة. تصميم وتنفيذ الإضاءة : محمد الحسين، الموسيقا : أفرام دافيد». جهد غير ممتع كنّا نود لو أنه جاء أكثر عمقاً وتأثيراً بما طرحه، كي لا ينساه من شاهده بعد فترة أقل مما نتوقع.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية مؤتمر "كوب 29" يعكس عدم التوازن في الأولويات العالمية.. 300 مليار دولار.. تعهدات بمواجهة تغير المناخ تقل عن مشتريات مستحضرات التجميل ميدان حاكم سيلزم «إسرائيل» بالتفاوض على قاعدة «لبنان هنا ليبقى».. بوريل في ‏بيروت بمهمة أوروبية أم إسرائيلية؟ إنجاز طبي مذهل.. عملية زرع رئتين بتقنية الروبوت مركز المصالحة الروسي يُقدم مساعدات طبيّة وصحيّة لمصلحة المركز الصحي في حطلة القوات الروسية تحسن تموضعها على عدة محاور.. وبيسكوف: المواجهة الحالية يثيرها الغرب