برؤية عمار الشوا ظاهرة رسم السيارات بلوحات زيتية تصل إلى المحترف التشكيلي
تشرين-سامر الشغري:
من قال إن الرسم التصويري يجافي كتل الحديد الصلبة وآلاتها الثقيلة المتجهمة، وإنه لا يجد في السفن والطائرات وغيرها من وسائل النقل جمالاً يستحق رسمه رغم ضجيجها وما تبثه من دخان، بل إن رسم السيارات من طرازات متباينة وبأوضاع مختلفة غدا ظاهرة أخذت بألباب فناني التشكيل حول العالم من الروسي شيفتشوك والأمريكي ليسينسكي والبريطاني ميلر والياباني مياكاوا.
ويصبّ المعرض الذي شهدته أوساط دمشق الفنية للفنان التشكيلي عمار الشوا مؤخراً ضمن هذا التيار، لأن هذا الفنان خصص لوحات معرضه الـ26 الذي استضافه غاليري عشتار للسيارات الكلاسيكية القديمة، بما اعتلاها من صدأ وآثار الزمن على هياكلها في خلفية من الطبيعة بفصولها المختلفة، إضافة للوحات أخرى لآليات زراعية قديمة مركونة على الطريق وسفن راسية على الشاطئ بعد أن عفا عليها الزمن، فتقاعدت بانتظار من يعيد لها الحياة أو يجهز عليها.
لقد سعى الشوا للحظة معينة عندما رسم لوحته سمّاها التقاط موسيقا الأمكنة و الأشياء من حولنا، من خلال التأمل في حضورهذه الأشياء في حياتنا، ويقول عن ذلك: «لقد شدني صوت هذه الآليات و موسيقا حضورها البصري وخصوصاً أنها تتكرر بشكل شبه يومي وهي تذوب و تنتهي رويداً رويداً في المكان وبفعل الزمن».
ولا يفضل الشوا أن يكون معرضه جزءاً من تيارما، فهو ليس مع حالة التيار أو غيره من المتشابهات، لكن لابد من اختيار الأسلوب الذي يناسب كل مرحلة من مراحل عمل الفنان مع ابتكار أسلوب خاص على مستوى الأفكار و التكنيك، ليتميز الفنان ببصمة خاصة في ظل التشابه الذي من الممكن أن يدمرالفن.
اختيار سيارات وآليات متقاعدة ومهملة لتكون موضوعاً واحداً لمعرض تشكيلي يعد سابقة في المعارض السورية، كما أن وجود السيارة المتآكلة في لوحة بين أحضان الطبيعة الحية يشكل حالة تناقض بصري، ولكن الفنان عمار الشوا يجد أن هذه السيارات أصبحت جزءاً من الطبيعة و من ذاكرتنا الإنسانية أيضاً لأنها ترجعنا لموجودات فنية تنتمي إلى زمن الطرب الجميل، و الموسيقا الكلاسيكية عميقة الأثر في النفس.
ويتابع الشوا: « السيارت في لوحات معرضي ظلٌ لزمن والطبيعة نورمتجدد كل يوم و متحول، والسيارات توقف الزمن عندها وهذا عكس الطبيعة التي تولد كل يوم و كل لحظة، هذا التناقض الزماني شدني لأصنع منه قدر الإمكان نصاً بصرياً يوسع أفق الرؤية لما حولنا ربما نستطيع أن نبتكر مستقبلاً لا ينطفئ فيه ضوء التجدد».
اختيار موضوع واحد للمعرض ذاته ظاهرة لا نراها كثيراً في الوسط التشكيلي المحلي، فالفنانون يفضلون تقديم تشكيلة أو باقة لجذب شرائح أوسع من الجمهور أو المقتنين، ولكن عمار يرى خلاف ذلك فهو يؤمن أن اختيار الموضوع ذاته أمر لابد منه، لتكريس الفكرة التي يشتغل عليها الفنان، وهي التي تولد في لحظة ما و تكبر متنامية بإحساس و انفعال الفنان، انطلاقاً من أن العمل الفني يتركب بمنطق الطبيعة في أنه يولد، ويكبر، و ينمو.
الشوا الذي عرفناه فناناً واقعياً قبل أن يميل إلى التعبيرية لديه رغبة في تكرار تجربة معرضه هذا، الى جانب شغفه بالفن التعبيري و فضائه الذي يناسب الكثير مما يود إنجازه، ولكنه سيظل دائماً منحازاً للطبيعة التي في رأيه يجب أن يتماهى الفنان مع فلسفتها ألا وهي التجدد.